والجار والمجرور متعلق (١) بـ ﴿أَعُوذُ﴾؛ أي: أعوذ برب الصبح من شر ما خلقه كائنًا ما كان من جميع مخلوقاته فيعم جميع الشرور، وقيل: هو إبليس وذريته، وقيل: جهنم، ولا وجه لهذا التخصيص، كما أنه لا وجه لتخصيص من خصص هذا العموم بالمضار البدنية، وقد حرَّف بعض المتعصبين من المعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الشر هذه الآية مدافعة عن مذهبه وتقويمًا لباطله، فقرؤوا بتنوين ﴿شرٍ﴾ علي أن ﴿مَا﴾ نافية، والمعنى: من شر لم يخلقه، ومنهم عمرو بن عبيد وعمرو بن عائذ، وعبارة أبي حيان هنا: وقرأ الجمهور (٢): ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)﴾ بإضافة ﴿شَرِ﴾ إلى ﴿مَا﴾ و ﴿مَا﴾ عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف، وجماد، كالإحراق بالنار والإغراق بالبحر والقتل بالسم، وقرأ عمرو بن عائذ: ﴿مِنْ شَرِّ﴾ بالتنوين، وقال ابن عطية وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر ﴿مِنْ شَرِّ﴾ بالتنوين ﴿مَا خَلَقَ﴾ على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، فالله خلق كل شيء، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون ﴿مَا خَلَقَ﴾ بدلًا من ﴿شَرِّ﴾ على تقدير محذوف؛ أي: من شر شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولًا ثم عمم ثانيًا. انتهى.
والخلاصة: أي أعوذ برب الفلق من شر كل ذي شر خَلَقَه الرب من إبليس ومن جهنم، ومن أصناف الحيوانات المؤذيات كالسباع والهوام وغيرهما.
٣ - ثم خصص من بعض ما خلق أصنافًا يكثر وقوع الأذى منهم، فطلب إليه التعوذ من شرهم ودفع أذاهم، وهم ما ذكره بقوله:
١ - ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ﴾؛ أي: ومن شر ليل مختلط ظلامه شديدة ظلمته، وتنكيره لعدم شمول الشر لجميع أفراده ولا لكل أجزائه، ﴿إِذَا وَقَبَ﴾؛ أي: إذا دخل ظلامه في كل شيء بغيبوبة الشفق.
وهذا تخصيص (٣) لبعض الشرور بالذكر مع اندراجه فيما قبله؛ لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه لكثرة وقوعه، ولأن تعيين المستعاذ أدل على الاعتناء
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.