"القاموس"، وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره، فأرسل النبي - ﷺ - عليًا والزبير وعمارًا - رضي الله عنهم - فنزحوا ماء البئر، فكأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا راعونة البئر، وهي الصخرة التي توضع في أسفل البئر، فأخرجوا من تحتها الأسنان، ومعها وتر قد عقد فيه أحد عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فجاؤوا بها النبي - ﷺ -، فجعل يقرأ المعوذتين عليها، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد عليه السلام خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين، كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل شيء يؤذيك من عين وحاسد، فلذا جوِّز (١) الاسترقاء بما كان من كلام الله تعالى وكلام رسوله، لا بما كان بالعبرانية أو السريانية والهندية أو التركية أو غير ذلك من صنوف اللغات، فإنه لا يحل اعتقادُه والاسترقاءُ به، فقالوا: يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث؟ فقال - ﷺ -: "أما أنا فقد عافاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرًا" قالت عائشة - رضي الله عنها -: ما غضب رسول الله - ﷺ - قط لنفسه ولا انتقم إلا أن يكون شيئًا هو لله، فيغضب لله وينتقم.
والنفث (٢): النفخ مع ريق قليل، وقيل: إنه النفخ فقط، واختلفوا في جواز النفث في الرُّقى والتعاويذ الشرعية المستحبة، فجوَّزه الجمهور من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم، ويدل على ذلك حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما قالت: (كان رسول الله - ﷺ - إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات) الحديث، وأنكر جماعة التفل والنفث في الرقى، وأجازوا النفخ بلا ريق، قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد، وقيل: النفث في العقد إنما يكون مذمومًا إذا كان سحرًا مضرًا بالأرواح والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان.. وجب أن لا يكون مذمومًا ولا مكروهًا، بل هو مندوب إليه، ذكره في "الخازن"، وهذا الذي ذكرناه في معنى الآية هو التفسير الصحيح، وقيل: المراد (٣) بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق عليها؛ ليسهل حلها، فالمعنى على هذا أعوذ برب الفلق من شر النساء النفاثات؛ أي: اللاتي شأنهن أن يغلبن علي الرجال، ويحولنهم عن آرائهم، ويصرفنهم عنها بأنواع المكر
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.