والمعنى: أي وأقسم بالقادر العظيم القدرة الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد، فخرج مثل البغل والبغلة، وقيل: إن الله سبحانه لم يخلق خلقًا من ذوي الأرواح ليس بذكر ولا أنثى، والخنثى وإن أشكل أمره عندنا فهو عند الله غير مشكل معلوم بالذكورة أو الأنوثة، فلو حلف بالطلاق أنه لم يلق يومه ذكرًا ولا أنثى، وقد لقي خنثي مشكلًا.. كان حانثًا؛ لأنه في الحقيقة إما ذكر أو أنثى وإن كان مشكلًا عندنا، كما في "الكشاف"، وقال الكلبي ومقاتل يعني آدم وحواء، فتكون ﴿اللام﴾ للعهد، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾، والظاهر العموم، وقيل: مخصوص ببني آدم؛ لاختصاصهم بولاية الله وطاعته، ويجوز أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية؛ أي: وبخلق الذكر والأنثى.
قرأ الجمهور (١): ﴿تَجَلَّى﴾ فعلًا ماضيًا فاعله ضمير ﴿النهار﴾، وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير: ﴿تتجلى﴾ بتائين أعني: الشمس، وقرىء: ﴿تُجْلى﴾ - بضم التاء وسكون الجيم - أي: الشمس، وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣)﴾ وقرأ ابن مسعود: ﴿وَالذكرِ والأنثى﴾ بدون ﴿ما خلق﴾ قال علقمة: قدمنا الشام فأتانا أبو الدرداء - رضي الله عنه - فقال: أفيكم من يقرأ قراءة عبد الله بن مسعود؟ فأشاروا إلي، فقلت: نعم أنا، فقال: كيف يقرأ هذه الآية؛ قلت: سمعته يقرأ: ﴿والذكِر والأنثى﴾ قال: وأنا هكذا، والله سمعت رسول الله يقرؤها، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأها: ﴿وَمَا خَلَقَ﴾ فلا أتابعهم.
٤ - وقوله ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)﴾ جواب القسم، والمصدر (٣) بمعنى الجمع؛ لما عُرف أن المصدر المضاف من صيغ العموم، ولذلك أخبر عنه بالجمع، و ﴿شتى﴾ جمع شتيت كمرضى ومريض، وهو المفترق المتثبت، والمعنى: إن مساعيكم؛ أي: أعمالكم أيها العباد لمختلفة حسب اختلاف الاستعدادات الأزلية، فبعضها حسن نافع خير صالح، وبعضها قبيح ضار شر فاسد، وفي الحديث: "الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها، أو بائع نفسه فموبقها".
وحاصل ما في المقام: أن الله سبحانه أقسم (٤) بما أقسم على أن سعي البشر

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon