نفسه، فقال: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ﴾؛ أي: حذرتكم وخوفتكم يا أهل مكة في القرآن ﴿نَارًا﴾ هائلة عظيمة ﴿تَلَظَّى﴾؛ أي: تتوقد وتتوهج، وأصله: تتلظى، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف، فإن النار (١) مؤنث وُصفت به، ولو كان ماضيًا.. لقيل: تلظت مع أن المراد بوصفها دوام التلظي بالفعل الاستمراري، وفي بعض التفاسير: المراد من ﴿أَنْذَرْتُكُمْ﴾ إنشاء الإنذار، كقولهم: بعت واشتريت، من إخبار يراد به الإنذار السابق في مثل قوله تعالى في سورة المدثر: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)﴾ فإنها أول سورة نزلت عند الأكثرين، وهذا أشد تخويفًا من أن يقال: خافوا واتقوا نارًا تلظى.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تَلَظَّى﴾ بتاء واحدة، وقرأ ابن الزبير وزيد بن علي وطلحة بن مصرف وسفيان بن عيينة وعبيد بن عمير: ﴿تتلظى﴾ بتاءين على الأصل،
١٥ - وقرأ البزي بتاء مشددة ﴿لَا يَصْلَاهَا﴾؛ أي: لا يصلى تلك النار صليًا لازمًا، ولا يدخلها دخولًا مؤبدًا، من لا يقاسي صلاها، وهو حرها ﴿إِلَّا الْأَشْقَى﴾؛ أي: إلا الزائد في الشقاوة، وهو الكافر، فإنه أشقى من الفاسق، وإن صَلِيَها غيره من العصاة، فليس صَلْيُهُ كصَلْيِهِ، فالفاسق لا يصلاها صليًا لازمًا، ولا يدخلها دخولًا أبديًا، كما يدل عليه قوله الآتي: ﴿الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)﴾، وفي "كشف الأسرار" يعني: الشقي، والعرب تسمي الفاعل أفعل في كثير من كلامهم، منه قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾، وقوله: ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾،
١٦ - ثم وصف الأشقى، فقال: ﴿الَّذِي كَذَّبَ﴾ بالحق الذي جاءت به الرسل ﴿وَتَوَلَّى﴾؛ أي: أعرض عن الطاعة والإيمان، وليس هذا إلا الكافر.
والمعنى (٣): أي لرحمتنا بكم وعلمنا الكامل بمصالحكم أسدينا إليكم الهدى، فأنذرناكم نارًا تلتهب يعذب فيها من كذب الرسول - ﷺ - فيما جاء به من الآيات، وأعرض عن اتباع شرائعه، وانصرف عن وجهة الحق، ولم يعد إليها تائبًا نادمًا. قال الزجاج: هذه الآية هي التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر (٤)، ولأهل النار منازل، فمنها أن المنافقين في الدرك
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) الشوكاني.