لضعفهم وعجزهم، ثم هم مع ذلك يكونون صحيحي الإيمان صبورين على أذى الناس، وعلى ما يصيبهم من المكاره في سبيل الدعوة إلى الحق، رحماء بعباده، مواسين لهم حين الشدائد، هذه هي الطريق التي كان من حق العقل أن يُرشد إليها، لكن الإنسان قد خدعه غروره، فلم يقتحم هذه العقبة، ولم يسلك هذه السبيل القويمة، ولم يسر فيما يرشد إليه العقل السليم.
أسباب النزول
روي أن قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)﴾ نزل في أبي الأشد أُسيد بن كلدة الجمحي، وكان مغترًا بقوته البدنية، وأن قوله: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦)﴾ نزل في الحارث بن نوفل، وكان يقول: أهلكت مالًا لبدًا في الكفارات منذ أطعت محمدًا، وسواء أكانت هذه الآيات نزلت في هؤلاء أم في غيرهم، فإن معناها عام بكل من اتصف بما فيها من الاغترارات.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)﴾؛ أي: أقسم (١) بالبلد الحرام الذي هو مكة، فكلمة ﴿لَا﴾ صلة دل عليه أن الله سبحانه أقسم بالبلد الأمين في سورة التين، قال في "كشف الأسرار": و ﴿لَا﴾: زائدة لتأكيد القسم، كقول العرب: لا والله ما فعلت كذا، لا والله لأفعلن كذا، والبلد: المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه، وجمعه بلاد وبلدان، ثم إن (٢) الله سبحانه؛ وتعالى أقسم بمكة لفضلها؛ فإنه جعلها حرمًا آمنًا، ومسقط رأس النبي - ﷺ -، وحرم أبيه إبراهيم عليه السلام، ومنشأ أبيه إسماعيل عليه السلام، وجعل البيت قبلة لأهل الشرق والغرب، وحج البيت كفارة لذنوب العمر، وجعل البيت المعمور في السماء بإزائه، ومن زيادة (٣) لا في غير القسم قول الشاعر:
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِيْ صَبَابَةٌ | وَكَادَ صَمِيْمُ الْقلْبِ لَا يَتصَدَّعُ |
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.