بأمره، وما زال يتعهده حتى كبر وترعرع حتى أرسله الله رسولًا، فقام يؤازره وينصره ويدفع عنه أذى قريش حتى مات، فاستطاعت قريش أن تنال منه، وتجرأ عليه سفهاؤهم، وسلطوا عليه غلمانهم حتى اضطروه إلى الهجرة، ولو تدبر (١) المنصف في رعاية الله له وحياطته بحفظه وحسن تنشئته.. لوجد من ذلك العجب، فقد كان اليتم وحده مدعاة إلى المضيعة وفساد الخلق؛ لقلة من يحفل باليتيم ويحرص عليه، وكان في خلق أهل مكة وعاداتهم ما فيه الكفاية في إضلاله لو أنه سار سيرتهم، لكن عناية الله تعالى كانت ترعاه، وتمنعه السير على نهجهم، فكان الوفي الذي لا يمين والأمين الذي لا يخون والصادق الذي لا يكذب والطاهر الذي لم يدنس برجس الجاهلية.
٧ - وقوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾ معطوف (٢) على المضارع المنفي، وقيل: هو معطوف على ما يقتضيه الكلام الذي قبله كما ذكرنا؛ أي: قد وجدك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالًا فهدى، والضلال هنا بمعنى الغفلة، كما في قوله: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾، وكما في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ والمعنى: إنه وجدك غافلًا عما يراد بك من أمر النبوة فهداك إليه، واختار هذا الزجاج، وقيل: معنى ﴿ضَالًّا﴾ لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع، فهداك لذلك، وقال الكلبي والسدي والفراء: وجدك في قوم ضلال، فهداهم الله بك، وقيل: وجدك ضالًا، أي: طالبًا للقبلة، فهداك إليها، كما في قوله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ ويكون الضلال بمعنى الطلب، وقيل: وجدك ضائعًا في قومك فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى الضياع، وقيل: وجدك محبًا للهداية فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قول الشاعر:

عَجَبًا لِعَزَّةَ فِيْ اخْتِيَارِ قَطِيْعَتِيْ بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أَخْلَقَا
وقيل: وجدك ضالًا في شعاب مكة فهداك؛ أي: ردك إلى جدك عبد المطلب، وعن ابن عباس (٣) - رضي الله عنهما - أن النبي - ﷺ - ضل في شعاب مكة حال صباه، وكان عبد المطلب يطلبه، ويقول متعلقًا بأستار الكعبة:
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon