ضَالًّا فَهَدَى (٧)}، و ﴿السَّائِلَ﴾ منصوب بـ ﴿تنهر﴾ كما أن ﴿الْيَتِيمَ﴾ منصوب بـ ﴿تقهر﴾، والتقدير: مهما يكن من شيء، فلا تقهر اليتيم، ولا تنهر السائل.
والآية بيّنة لجميع الخلق (١)؛ لأن كل واحد من الناس كان فقيرًا في الأصل، فإذا أنعم الله سبحانه عليه.. وجب عليه أن يعرف حق الفقراء، وقال بعضهم: الأولى حمل السائل على المعنى الأعم من أن يسأل المال، ويسأل عن العلم، فيكون التفصيل مطابقًا للتعديد، كما مرت الإشارة إليه آنفًا، فيجب إكرام طالب العلم وإنصافه بمطلوبه ولا يعبس في وجهه، ولا يُنهَر، ولا يُتلَقى بمكروه.
وفي الحديث: "من كتم علمه أُلجِم يوم القيامة بلجام من نار"، وهذا الوعيد يشمل حبس الكتب عمن يطلبها للانتفاع بها.
١١ - ولما ذكّره نعمه عليه في هذه السورة من جبر اليتم، والهدى بعد الضلالة، والإغناء بعد العيلة والفقر.. أمره أن يشكره على إنعامه عليه، فقال: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)﴾؛ لأن تحديث العبد، وإخباره بنعمة الله تعالى شكر لها باللسان وتذكير للغير.
وفي الحديث: "التحدث بالنعم شكر" والمراد بتحديثها إظهارها للناس وإشهارها بينهم، والظاهر (٢) حمل النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها، من نوع من أنواعها، وقال مجاهد والكلبي: المراد بالنعمة هنا القرآن، وقال الكلبي: وكان القرآن أعظم ما أنعم الله به عليه، فأمره أن يقرأه، قال الفراء: وكان يقرؤه ويحدثه به، وقال مجاهد أيضًا: المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله، واختار الزجاج هذا القول، فقال: أي: بلِّغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك الله تعالى، وهي أجل النعم، فحينئذ فقد إندرج تحت الأمر هدايته - ﷺ - لأهل الضلال، وتعليمه للشرائع والأحكام حسبما هداه الله وعلّمه من الكتاب والحكمة، وقال مقاتل: يعني: اشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلال، وجبر اليتيم، والإغناء بعد العيلة، فاشكرها وحدث بها للناس؛ لأن التحدث بنعمة الله شكر وكتمانها كفر.
وهذا الثالث بمقابلة الثاني (٣)، وهو قوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾ آخره
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.