ناسخة لتلك الثلاث.
والخامسة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ لما نزلت.. لم يعلم ما تأويلها، فقالوا يا رسول الله، ما حق تقاته؟ فقال - ﷺ -: "حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يكفر" فقالوا: يا رسول الله، ومَنْ يطيق ذلك؟ فانزعجوا لنزولها انزعاجًا عظيمًا، ثم أنزل الله بعد مدة يسيرة آية تؤكد حكمها، وهي قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ في سورة الحج، فكانت هذه أعظم عليهم من الأولى، ومعناها: اعملوا لله حق عمله، فكادت عقولهم تذهل، فلما علم الله ما قد نزل بهم في هذا الأمر العسير.. خفف فنسخها بالآية التي في التغابن، وهي قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ وهي مدنية، فكان هذا تيسيرًا من التعسير الأول وتخفيفًا من التشديد الأول انتهى.
ومما ورد في فضلها وفضل البقرة: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". قال معاوية بن سلام: من رواته بلغني أن البطلة: السحرة.
وروى مسلم أيضًا: عن النواس بن السمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تَقْدُمه سورة البقرة وآل عمران". وضرب لهم رسول الله - ﷺ - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعدُ. قال "لأنهما غمامتان أو ظلَّتان سودوان بينهما شرق - أي: ضوء - أو كأنهما حزقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما".
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *


الصفحة التالية
Icon