حالة كون ذلك الكتاب ملتبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالعدل فيما خصك به من شرف النبوة، وقيل: بالعدل في أحكامه أو بالصدق في أخباره عن القرون الماضية، وفي وعده ووعيده، وقيل. معنى بالحق: بالبراهين القاطعة والحجج المحققة أنها من عند الله تعالى، أو بالقول الفصل وليس بالهزل ولا بالمعاني الفاسدة المتناقضة.
وحالة كون ذلك الكتاب ﴿مُصَدِّقًا﴾ وموافقًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أي؛ لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى التوحيد والإيمان وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه، وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية، وفي الشرائع التي لا تختلف فيها الأمم، وأما (١) في الشرائع المختلفة فيها فمن حيث أن أحكام كل واردة على حسب ما تقتضيه الحكمة التشريعية بالنسبة إلى خصوصيات الأمم المكلفة بها مشتملة على المصالح اللائقة بشأنهم.
وفائدة (٢) تقييد التنزيل بهذه الحال - أعني: ﴿مُصَدِّقًا﴾ - حث أهل الكتاب على الإيمان بالمنزل، وتنبيههم على وجوبه، فإن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه حتمًا.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ جملة على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ جملة على عيسى بن
٤ - مريم عليهما السلام ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى﴾؛ أي: حال كونهما هاديين من الضلالة ﴿لِلنَّاسِ﴾ في زمانهما يعني بني إسرائيل فهو حال من التوراة والإنجيل، ولم يثنَّ؛ لأنه مصدر، ويصح كونه مفعولًا له، والعامل فيه ﴿أنزل﴾؛ أي: أنزل هذين الكتابين لأجل هداية الناس بهما.
وعبر فيهما بـ ﴿أنزل﴾، وفي القرآن بـ ﴿نَزَّلَ﴾ المقتضي للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلاف القرآن، قاله السيوطي رحمه الله تعالى. وقيل هذا التعليل منتقض بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وبقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ

(١) أبو السعود.
(٢) الكرخي.


الصفحة التالية
Icon