إثبات لما تقدم من أن علم عيسى ببعض الغيوب وقدرته على الإحياء في بعض الصور لا يكفي في كونه إلهًا فإن الإله لا بد وأن يكون كامل القدرة وهو العزيز وكامل العلم وهو الحكيم.
٧ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكَ﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: القرآن العظيم منقسمًا إلى قسمين: قسم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾؛ أي: واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، أو محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المعنى المراد ﴿هُنَّ﴾؛ أي: تلك المحكمات ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أي: أصل القرآن الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات، كقوله تعالى في شأن عيسى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ وكقوله فيه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)﴾ وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله ﴿و﴾ قسم منه آيات ﴿أخر﴾ جمع أخرى ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾؛ أي: محتملات لمعانٍ متشابهة لا يتضح مقصودها؛ لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلا بنظر دقيق وتأمل أنيق.
أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد؛ كقوله تعالى في شأن عيسى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾؛ أي: ميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج عنه إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾؛ أي: فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: تلا رسول الله - ﷺ -: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فقال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ أي: طلب الإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو