سبحانه وتعالى ﴿لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾؛ أي: لا يترك وفاء ما وعده لعباده، وهذا من بقية كلام الراسخين في العلم؛ وذلك لأنهم لما طلبوا من ربهم أن يصونهم عن الزيغ، وأن يخصهم بالهداية وأنواع الرحمة.. فكأنهم قالوا: ليس غرضنا من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقرضة، وإنما غرضنا الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة، فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ونعلم أن وعدك بالجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار لا يكون خلفًا، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته الهداية والرحمة بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد.
تنبيهات
الأول منها: اختلفت عبارة العلماء في تفسير (١) المحكم والمتشابه على أقوال فقيل: إن المحكم ما عرف تأويله، وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، ومن القائلين بهذا القول: جابر بن عبد الله والشعبي وسفيان الثوري قالوا: وذلك نحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما يحتمل وجوهًا. فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي.. صار المتشابه محكمًا، وقيل: إن المحكم: ناسخة وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه، والمتشابه: منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. ورُوي هذا القول عن ابن عباس، وقيل: المحكم: الناسخ. والمتشابه: المنسوخ وبه قال: ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك. وقيل: المحكم: الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له. والمتشابه: ما فيه تصريف وتحريف وتأويل، وبه قال: مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال. وقيل: إن المحكم ما أطلع الله عباده على معناه. والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة؛ مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon