الشيء ومآله ﴿الراسخون﴾: جمع راسخ اسم فاعل من رسخ - من باب خضع - يرسخ رسوخًا، والرسوخ: الثبوت.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البلاغة والفصاحة أنواعًا كثيرة (١):
منها: حسن الإبهام؛ وهو فيما افتتحت به لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
ومنها: مجاز التشبيه في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾؛ لأن حقيقة التنزيل طرح جرم من علو إلى أسفل، والقرآن مثبت في اللوح المحفوظ، فلما أثبت في القلب صار بمنزلة جرم ألقي من علو إلى أسفل، فشبِّه به وأُطلق عليه لفظ التنزيل.
وعبر أيضًا عن القرآن بالكتاب الذي هو اسم جنس إيذانًا بكمال تفوقه على بقية الكتب السماوية، كأنه الحقيق بأن يطلق عليه اسم الكتاب.
وفي قوله: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ شبَّه القرآن المصدق لما تقدمه من الكتب بالإنسان الذي بين يديه شيء يناله شيئًا فشيئًا.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أقام المصدر فيه مقام اسم الفاعل، فجعل التوراة كالرجل الذي يوري عنك أمرًا؛ أي: يستره لما فيها من المعاني الغامضة، وشبه الإنجيل لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النبلاء، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد الطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه.
وفي قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ لأنه شبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين.
وفي قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ شبه أمره بقوله: كن، أو تعلق إرادته بكونه جاء

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon