﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُؤَيِّدُ﴾ ويقوي ﴿بِنَصْرِهِ﴾ وعونه ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ ويريد نصره على عدوه ولو بدون الأسباب العادية ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ النصر لمحمد - ﷺ - وأصحابه يوم بدر مع قلتهم عَدَدًا وعُدَدًا أو رؤية القليل كثيرًا، أو في غلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظيمة؛ أي: لعظة عظيمة ﴿لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾؛ أي: لأصحاب العقول الكاملة والأفكار السليمة المستقيمة والمعنى: إن في هذا النصر مع قلة عددهم وكثرة عدوهم عظةٌ لمن عقل وتدبر فعرف الحق وثلج قلبه ببرد اليقين.
ووجه (١) نظم هذه الآية أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله - ﷺ - لما دعاهم إلى الإِسلام.. أظهروا التمرد، وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا، فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة.. فإنكم ستغلبون، ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾.
١٤ - وروي أنه - ﷺ - لما دعا اليهود إلى الإِسلام بعد غزوة بدر.. أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبين الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾؛ أي: حسن لجنس الناس والآدميين. قرأ الجمهور: ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمفعول. وقرأ الضحاك: ﴿زَيَّنَ﴾ بالبناء للفاعل، والشهوات: جمع شهوة وهو توقان النفس إلى الشيء المشتهى، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ أي: حسن لهم حب المشتهيات المذكورة، سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾، والمزيِّن لها هو الله تعالى عند أهل السنّة لا الشيطان كما قالت المعتزلة؛ لأنه