أن من آتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها فيما يكون فيه صلاحه في الآخرة؛ لأنها السعادة القصوى.
إيضاح معنى الآية: معنى تزيين حب الشهوات للناس: أن حبها مستحسن لديهم، لا يرون فيه قبحًا ولا غضاضة، ومن ثمَّ لا يكادون يرجعون عنه، وهذا أقصى مراتب الحب، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحًا أو ضارًّا، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به وقد يحب الإنسان شيئًا وهو يراه شيئًا لا زينًا، وضارًّا لا نافعًا، كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيه منه، ومن أحب شيئًا ولم يزين له يوشك أن يرجع عنه يومًا ما، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.
والمعنى: أن الله تعالى فطر الناس على حب هذه الشهوات الستة المبينة في الآية وغيرها كآلات الملاهي:
فأولها: النساء: وهي موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ الآية، وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدهم وجدهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهن له الأثر العظيم في شؤون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهن قد يزول وحب الأولاد لا يزول؛ لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلو والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا فوق الواحدة أفرطو في حب واحدة وقلوا أخرى وأهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق، وقد وسعوه على أولاد المحبوبة. وكم من غني عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب عندها وابتغاء الزلفى إليها.
وثانيها: البنون: والمراد بهم الأولاد مطلقًا كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ


الصفحة التالية
Icon