جهات من أحاط علمه به. ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾؛ أي: لا يعلمون شيئًا قليلًا من معلوماته. ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ الله سبحانه وتعالى أن يُعْلِمَهم بها؛ أي: إنَّ أحدًا لا يحيط بمعلومات الله تعالى إلا ما شاء هو أن يُعْلِمَهم، أو المعنى: إنهم لا يعلمون الغيب إلا عند اطلاع الله بعض أنبيائه على بعض المغيبات؛ ليكون ما يُطلِعهم عليه من علمٍ غَيَّبَهُ دليلًا على نبوتهم؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾.
﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: أحاط كرسيُّه، واشتمل عليهما لعظمته. وأصل (١) الكرسيِّ في اللغة: مِنْ تركب الشيء بعضه على بعضٍ، ومنه: الكُرَّاسة؛ لتركُّب بعض أوراقها على بعضٍ، والكرسيُّ في العُرْف: اسم لما يُقعد عليه، سُمِّيَ به لتركُّب خشباته بعضها على بعض.
واختلفوا في المراد بالكرسيِّ هنا على أربعة أقوالٍ:
أحدها: أنَّ الكرسيَّ: هو العرش.
والقول الثاني: أن الكرسيَّ: غير العرش، وهو أمامه، وهو فوق السموات ودون العرش، فهو جسم عظيم تحت العرش، وفوق السماء السابعة، وهو أوسع من السموات والأرض. وقال ابن كثير: والصحيح: أن الكرسيَّ غيرُ العرش، والعرش أكبر منه، كما دلَّتْ على ذلك الآثار والأخبار.
والقول الثالث: أنَّ الكرسي: هو الاسم الأعظم؛ لأن العلم يعتمد عليه، كما أن الكرسيَّ يُعتمد عليه.
والقول الرابع: المراد بالكرسيِّ: المُلْك والسلطان والقدرة؛ لأن الكرسيَّ موضع السلطان، فلا يَبْعد أن يُكنى عن الملك بالكرسيِّ على سبيل المجاز.
﴿وَلَا يَئُودُهُ﴾؛ أي لا يُثقله، ولا يُجهده، ولا يُتعبه، ولا يَشق عليه ﴿حِفْظُهُمَا﴾؛ أي: حفظ السموات والأرض، فحَذَفَ الفاعلَ، وأضاف المصدرَ

(١) الخازن.


الصفحة التالية