وقرأ سعيد بن جبير والحسن شذوذًا: ﴿لمَّا﴾ بتشديد الميم، على أنَّها ظرف بمعنى حين، متعلق بـ ﴿تُؤْمِنُنَّ﴾، والمعنى: اذكر يا محمد لأهل الكتاب، قصة إذ جعل الله العهد المؤكد باليمين علي النبيين في عالم الأرواح بقوله: حين أعطيتكم الكتاب والحكمة في عالم الأشباح، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به ولتنصرنه.
وقرأ أبي وعبد الله شذوذًا: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب﴾ بدل النبيين، وكذا هو في مصحفيهما، وقرأ عبد الله شذوذًا: ﴿رسول مصدقًا﴾ بالنصب على الحال من النكرة المتقدمة، وهو جائز، وإن كان قليلًا، وقد ذكروا أن سيبويه قاسه، ويحسن هذه القراءة أنَّه نكرة في اللفظ معرفة من حيث المعنى؛ لأن المعني: به محمَّد - ﷺ - على قول الجمهور.
والمقصود من الآية (١): أنَّ الله تعالى، أخذ الميثاق من النبيين خاصة، قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده: أنْ يصدق بعضهم بعضًا، وأخذ العهد على كل نبي: أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه، وإنْ لم يدركه: أن يأمر قومه بنصرته إنْ أدركوه، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - ﷺ -، وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاووس.
وقيل: إنَّما أخذ الله الميثاق من النبيين في أمر محمَّد - ﷺ - بأن يبين بعضهم لبعض صفة محمَّد وفضله، وهو قول علي، وابن عباس، وقتادة، والسدي، وقال علي بن أبي طالب: ما بعث الله نبيًّا، آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد - ﷺ -، وأخذ هو العهد على قومه ليؤمنن به، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه.
وقيل: إن المراد من الآية أنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يأخذون الميثاق على أممهم، بأنَّه إذا بعث محمد - ﷺ - يؤمنون به وينصرونه، وهذا قول كثير من المفسرين، والمراد من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ هو محمَّد - ﷺ -، والمراد بكونه مصدقًا لما معهم: أن صفاته ونعوته وأحواله مذكورة في

(١) المراح.


الصفحة التالية
Icon