فإن قلتَ: كيف قال ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ وقد علم أنه أثبت الناس إيمانًا؟ قلتُ: ليجيب بما أجابه به؛ لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. قال الله سبحانه وتعالى: إن أردت ذلك يا إبراهيم ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ أشتاتًا. قال مجاهد: كانت طاووسًا وغرابًا وحمامة وديكًا؛ أي: خذ أربعة أنواع من الطيور ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾. قرأ حمزة: ﴿فصِرهن﴾ بكسر الصاد، ومعناه: قطعهن ومزقهن. وقرأ الباقون بضمها، وتخفيف الراء، ومعناه: اضْمُمْهُنَّ وأملهنَّ إليك واجمعهن عندك؛ أي: خذ أربعة أنواع منها، واضممهُنَّ إليك، واجمعهن عندك، ثم اذبحهن، وقطع لحومهن، واخلط بعضهن ببعض حتى يصبحن كتلة واحدة (١). وقرأ ابن عباس وقوم شذوذًا ﴿فصُرَّهن﴾ - بتشديد الراء وضم الصاد وكسرها - من: صَرَّه يصُره ويصِره إذا جمعه، نحو: ضرَّه يضِره ويضُره، وعنه أيضًا: ﴿فصَرَّهن﴾ - بفتح الصاد وتشديد الراء وكسرها -: من الصرِيَةِ.
﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ﴾؛ أي؛ ضع على كل جبل من الجبال التي بحضرتك؛ أي: على أربعة أجبل من الجبال التي بقربك ﴿مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾؛ أي: جزءًا من لحومهن المجزأة. وقرأ الجمهور ﴿جُزْءًا﴾ بإسكان الزاي وبالهمزة، وضم أبو بكر شعبة الزاي فقرأ: ﴿جزُءا﴾. وقرأ أبو جعفر ﴿جزّا﴾ بحذف الهمزة وتشديد الزاي؛ أي: جزِّىء لحومهن، وفرقهن على رؤوس الجبال ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾؛ أي: نادهن بأسمائهن، وقيل لهن: تعالين بإذن الله تعالى: ﴿يَأْتِينَكَ﴾؛ أي: يجئن إليك مشيًا أو طيرانًا ﴿سَعْيًا﴾؛ أي؛ حالة كونهن ساعيات مسرعات إليك في مشيهن، أو طيرانهن. وقيل معنى: ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾؛ أي: مشيًا سريعًا ولم تأتِ طائرة ليتحقق أن أرجلهن سليمة في هذه الحالة. ﴿وَاعْلَمْ﴾ يا إبراهيم ﴿أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾؛ أي: غالب على جميع الممكنات، لا يعجزه شيء عما يريده ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره وصنعه، عليم بعواقب الأمور وغايات الأشياء. روي أنه عليه السلام أمر بذبحها، ونتف ريشها، وتقطيعها جزءًا جزءًا، وخلط دمائها

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon