بالقتل، والنقم، أو آجله بما أعددت لأهل الكفر من العذاب في الآخرة.
وروى أحمد ومسلم، عن أنس رضي الله عنه أن النبيَّ - ﷺ - كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا، وهو يدعوهم إلى ربهم"؟ فأنزل الله ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ الآية.
قيل: أراد النبيُّ - ﷺ - أن يدعو عليهم بالاستئصال، فنزلت هذه الآية، وذلك لعلمه أن أكثرهم يسلمون. فمعنى الآية: ليس لك مسألة هلاكهم والدعاء عليهم، لأنه تعالى أعلم بمصالحهم، فربما تاب على من يشاء منهم. وقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ معطوف على قوله: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا﴾ وقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ كلامٌ معترض بين المعطوف والمعطوف عليه كما مر آنفًا.
وتقدير الكلام: ولقد نصركم الله أيها المؤمنون في يوم بدر، ليقطع طرفًا من الذين كفروا بالقتل، أو يكبتهم بالهزيمة، أو يتوب عليهم بالإِسلام، إن أسلموا ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ على الكفر إن أصروا؛ فإنهم ظالمون، ليس لك من الأمر شيء، بل الأمر أمري في ذلك كله، وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ هو كالتعليل لعذابهم، والمعنى: إنما يعذبهم؛ لأنهم ظالمون أنفسهم بالإصرار على الكفر مستحقون للتعذيب.
قال بعض العلماء (١): والحكمة في منعه - ﷺ - من الدعاء عليهم، ولعنهم أن الله تعالى علم من حال بعض الكفار أنه سيسلم فيتوب عليه، أو سيولد من بعضهم ولد يكون مسلمًا برًّا تقيًّا. فلأجل هذا المعنى منعه الله تعالى من الدعاء عليهم؛ لأن دعوته - ﷺ - مستجابة، فلو دعا عليهم بالهلاك هلكوا جميعًا، لكن اقتضت حكمة الله، وما سبق في علمه إبقائهم ليتوب على بعضهم، وسيخرج من بعضهم ذرية صالحة مؤمنة، ويهلك بعضهم بالقتل والموت.
وفي هذا الكلام تأديب من الله لرسوله - ﷺ - وإعلامٌ له بأن الدعاء على

(١) البحر المحيط ج ٢ ص ٥٢.


الصفحة التالية
Icon