فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} والعبد لا يملك شيئًا، فثبت بذلك أن المراد بحكم الآية الأحرار دون العبيد ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾؛ أي: خشيتم، وقيل: علمتم ﴿أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ بين الأزواج الأربع أو ما دونها من هذه الأعداد في القسمة، والنفقة ﴿فـ﴾ تزوجوا ﴿واحدة﴾ واقتصروا عليها، ولا تزيدوا ﴿أَوْ﴾ استفرشوا ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، وأيديكم من الإماء من غير حصر؛ لأنه لا قسمة لهن عليكم، ولكن لهن حق الكفاية في نفقات المعيشة بما يتعارفه الناس، والمراد استفراشهن بطريق الملك لا بطريق النكاح، وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرةَ لقبض الأموال، وإقباضها، ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الاقتصار على الواحدة، أو على التسري بالإماء ﴿أَدْنَى﴾، وأقرب إلى ﴿أَلَّا تَعُولُوا﴾ ولا تميلوا من الحق، ولا تجوروا؛ أي: اختيار الواحدة، أو التسري أقرب من عدم الجور والظلم.
والخوف (١) من عدم العدل يصدق بالظن والشك في ذلك، فالذي يباح له أن يتزوج ثانية أو أكثر هو من يشق من نفسه بالعدل ثقة لا شك فيها.
والخلاصة: أن البعد من الجور سبب في تشريع الحكم، وفي هذا إيماء إلى اشتراط العدل، ووجوب تحريه، وإلى أنه عزيز المنال كما قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾.
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان، كالتسوية في المسكن، والملبس، ونحو ذلك، أما ما لا يدخل في وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى، فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه، وقد كان النبي - ﷺ - في آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه، لكنه لا يخصها بشيءٍ دونهن إلا برضاهن، وإذنهن وكان يقول: "اللهم إنّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يريد ميل القلب، وقد استبان لك مما سبق أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق، فهي ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة بإقامة العدل،