إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فالتحذير من أخذه في طور الرغبة والتحبب وإظهار القدرة على ما يجب عليه من أعباء الزوجية من كفالة المرأة، والإنفاق عليها يكون أشد، وآكد، ولكن حب المال جعل الرجال يماكسون في المهر كما يماكسون في سلع التجارة، وصار حبهم للمحافظة على الشرف والكرامة دون حبهم للدرهم والدينار. وذهب الأوزاعي (١) إلى أنه لا يجوز تبرعها ما لم تلد، أو تقم في بيت زوجها سنة، فلو رجعت بعد الهبة فقال شريح، وعبد الملك بن مروان: لها أن ترجع، وروى مثله عن عمر بن الخطاب، فقد روي عنه أنه كتب إلى قضاته: أن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها، ثم أرادت أن ترجع فلها ذلك، قال شريح: لو طابت نفسها لما رجعت.
قال الشوكاني (٢): فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج، ولا للولي، وإن كانت قد تلفظت بالهبة، أو النذر، أو نحوهما، وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن، وضعف إدراكهن وسرعة انخداعهن، وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب انتهى.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾ بفتح الصاد، وضم الدال جمع صدقة على وزن سمرة، وقرأ قتادة وغيره، بإسكان الدال وضم الصاد جمع صدقة على وزن غرفة، وقرأ مجاهد، وموسى بن الزبير، وابن أبي عبلة، وفياض بن غزوان، وغيرهم: ﴿صدقاتهن﴾ بضمهما، وقرأ النخعي، وابن وثاب: ﴿صدقتهن﴾ بضمهما، وبالإفراد، وهو تثقيل صدقة، كظلمة في ظلمة.
وقرأ الحسن، والزهري ويزيد، وكذا حمزة في الوقف ﴿هنيا مريا﴾ بلا همزة، أبدلوا الهمزة التي هي لام الكلمة ياءً، وأدغموا فيها ياء المدح، وهمزهما الباقون.

(١) البحر المحيط.
(٢) فتح القدير.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon