القرآن وراء ظهورنا، وأخذنا بآراء الجاهلين الذين لبسوا على الناس ونفثوا سمومهم، وبالغوا في التزهيد، والحث على إنفاق ما تصل إليه الأيدي، مع أن السلف الصالح كانوا من أشد الناس محافظةً على ما في أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الكسب الحلال، وليت هذا التزهيد أتى بالغرض المسوق لأجله من الترغيب في الآخرة، والعمل لها، لكنهم زهدوهم في الدنيا وقطعوهم عن الآخرة، فخسروهما معًا، وما ذاك إلا لجهلهم بهدي الإِسلام، وهو السعي للدنيا، والعمل للآخرة كما ورد في الأثر "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا" وكانوا يقولون: اتجروا، فإنكم في زمان، إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه.
وقرأ الحسن (١)، والنخعي ﴿اللاتي جعل الله لكم قيامًا﴾ وهو في المعنى جمع التي، وقرأ الجمهور ﴿الَّتِي﴾ بالإفراد، قال ابن عطية: والأموال جمع لا يعقل، فالأصوب فيه قراءة الجماعة انتهى كما قال بعضهم:

وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لاَ يَعْقِلُ الأفْصَحُ الإِفرَادُ فِيهِ يَا فُلُ
وقرىء شاذًا ﴿اللواتي﴾، وهو أيضًا في المعنى جمع التي.
وقرأ نافع، وابن عامر ﴿قيمًا﴾ وجمهور السبعة ﴿قِيَامًا﴾ ولما انكسرت القاف في قوام، أبدلوا الواو ياءً. وعبد الله بن عمر ﴿قوامًا﴾ بكسر القاف، والحسن، وعيسى بن عمر ﴿قوامًا﴾ بفتحها، ورويت عن أبي عمرو، وقرىء شاذًا ﴿قومًا﴾ فأما ﴿قيمًا﴾ فمصدر كالقيام، والقوام، قاله الكسائي، والفراء، والأخفش، وليس مقصورًا من قيام، وقيل: هو مقصور منه. قالوا: حذفت الألف كما حذفت في خيم وأصله خيام.
﴿وَارْزُقُوهُمْ﴾؛ أي: وأطعموا السفهاء، واليتامى ﴿فِيهَا﴾؛ أي: من أموالهم التي في أيديكم، وأنفقوا عليهم منها ﴿وَاكْسُوهُمْ﴾؛ أي: ألبسوهم منها، وإنما قال الله ﴿فِيهَا﴾ ولم يقل: منها. كما هو ظاهر السياق، لئلا يكون ذلك أمرًا بجعل
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon