ذكر كيفية ذلك الإيتاء، ووقته فقال: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ الآية (١) نزلت في ثابت بن رفاعة، وفي عمه، وذلك أن رفاعة مات، وترك ابنه ثابتًا، وهو صغير فجاء عمه إلى النبي - ﷺ - وقال له: إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.. ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾؛ أي: واختبروا أيها الأولياءُ الصغارَ الذين لا أب لهم قبل البلوغ، في عقولم، وأديانهم، وتصرفهم في أموالهم بما يليق بحالهم، بأن تجربوا ولد التاجر بالبيع والشراء، والمماكسة فيهما، وولد الزراع بالزراعة، والنفقة على القوام بها، والأنثى فيما يتعلق بالغزل، والقطن، وصون الأطعمة عن الهرة ونحوها، وحفظ متاع البيت، وولد الأمير ونحوه بالإنفاق مدة في خبز وماء ولحم ونحوها.
قال أبو حنيفة رحمه الله (٢): تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة؛ لأن قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ أمر للأولياء بأن يأذنوا لهم في البيع والشراء قبل البلوغ، وذلك يقتضي صحة تصرفاتهم، وقال الشافعي: ولا يصح عقد الصبي المميز بل يُمتحن في المماكسة، فإذا أراد العقد.. عقد الولي؛ لأنه لا يجوز دفع المال إليه حال الصغر، فثبت عدمُ جواز تصرفه حالَ الصغر ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾؛ أي: اختبروهم في عقولهم، وجربوهم في تصرفاتهم إلى وقت بلوغهم زمن صلاحية النكاح، والزواج، والوطء بأن يبلغ بالاحتلام، أو باستكمال خمس عشرة سنة، عند الشافعي، أو ثماني عشرة سنة عند أبي حنيفة، وبلوغ النكاح كناية عن البلوغ؛ لأنه يصلح للنكاح عنده، فإذا بلغوا، ووصلوا زمنَ صلاحية النكاح ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ﴾ وعلمتم ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من اليتامى الذين وصلوا زمن النكاح والزواج ﴿رُشْدًا﴾؛ أي: هداية في التصرفات، وصلاحًا في المعاملات من غير تبذير، وعجز عن خديعة الغير، وقيل: معنى رشدًا؛ أي: عقلًا، وصلاحًا في الدين، وحفظًا للمال، وعلمًا بما يصلحه ﴿فَادْفَعُوا﴾، وسلموا ﴿إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ التي عندكم من غير تأخير عن وقت البلوغ، وإنما تدفع إليهم أموالهم بعد بلوغهم، وإيناس الرشد منهم.

(١) الخازن.
(٢) مراح.


الصفحة التالية
Icon