وقال ابن سيرين (١): لا يدفع إليه المال بعد الإيناس والاختبار المذكورين حتى تمضيَ عليه سنة كاملة، وتداوله الفصول الأربع، وظاهر الآية أنه إن لم يونس منه رشد، بقي محجورًا عليه دائمًا، ولا يدفع إليه المال، وبه قال الجمهور. وقال النخعي، وأبو حنيفة: ينتظر به خمس وعشرون سنة، ويدفع إليه ماله، أُونس منه الرشد أو لم يؤنس، وظاهر الآية يدل على استبداد الوصي بالدفع والاستقلال به، وقالت طائفة: يفتقر إلى أن يدفعه إلى السلطان، ويثبت رشدَه عنده.
وظاهر عموم اليتامى اندراج البنات في هذا الحكم، فيكون حكمهن حكم البنين في ذلك، فقيل: يعتبر رشدها، وإن لم تتزوج بالبلوغ.
وقال المراغي (٢) والمعنى: أيها الأولياء، ابتلوا اليتامى إلى ابتداء البلوغ، وهو الحد الذي يبلغون فيه سن النكاح، فإن آنستم منهم بعد البلوغ رشدًا، فادفعوا إليهم أموالهم، وإلا فاستمروا على الابتلاء حتى تأنسوه منهم، ويرى أبو حنيفة دَفعَ مال اليتيم إليه، إذا بلغ خمسًا وعشرين سنةً، وإن لم يرشد. انتهى.
وقرأ (٣) ابن مسعود ﴿فإن أحستم منهم رشدًا﴾ يريد أحسستم فحذف عين الكلمة، وهذا الحذف شذوذ، لم يرد إلا في ألفاظ يسيرة، وحكى غير سيبويه أنها لغة سليم، وقرأ ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن، وأبو السمال، وعيسى الثقفي ﴿رشدًا﴾ بفتحتين، وقرىء شاذًا ﴿رشدًا﴾ بضمتين، قيل: هما لغتان، وقيل: هو بالضم مصدر رشد، من باب: قعد، وبالفتح مصدر رَشِدَ من باب: طرب، وقراءة الجمهور ﴿رُشْدًا﴾ بضم الراء، وسكون الشين.
فصل في بيان البلوغ
البلوغ يحصل بأربعة أشياء: اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء، واثنان
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.