به، وأن يعتنَى بتقديمه، وحَمَل أوَّلًا على لفظ ﴿من﴾ في قوله: ﴿يُطِعِ﴾ و ﴿يُدْخِلْهُ﴾ فأفرد، ثم حملَ على المعنى في قوله: ﴿خالدين﴾.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)﴾، مناسبتها لما قبلها: لمَّا ذكر ثَوابَ مراعي الحدود.. ذَكَرَ عقابَ من يتعداها، وغلظ في قسم المعاصي، ولم يكتف بالعصيان بل أكَّدَ ذلك بقوله: ﴿وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ وناسب الختم بالعذاب المهين؛ لأن العاصيَ المتعدي للحدود؛ برز في صورة من اغترَّ، وتجاسرَ على معصية الله تعالى، وقد تقل المبالاة بالشدائد، ما لم ينضمَّ إليها الهوانُ، ولهذا قالوا: المنية ولا الدنيَّةُ.
قيل: وأفرد خالدًا هنا، وجمع في خالدين فيها؛ لأن أهلَ الطاعةِ، أهل الشفاعة، وإذا اشفع في غيره دخلها، والعاصي لا يدخل النار به غيره، فبقي وحيدًا.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...﴾ الآية، سبب (١) نزولها: ما أخرجه الأئمة الستة وغيرُهم عن جابر بن عبد الله، قال: عادني رسول الله - ﷺ - وأبو بكر في بني سلمة، مَاشِيينْ فوجدني النبي - ﷺ - لا أعقل شيئًا، فدعا بماءٍ فتوضأ، ثم رش علي فأفقت، فقلتُ ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾.
وللآيةِ سببٌ آخر: وهو ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحاكم عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - ﷺ - فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وأن عمهما أخَذَ مالهما، فلم يَدَعْ لهما مالًا، ولا تنكحَان إلا ولهما