أصحاب الرأي والعقل من أهل الحل والعقد ورجال الشورى ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من المؤمنين من كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولم يتحدثوا به، حتى يكون هؤلاء هم الذين يظهرونه.. ﴿لَعَلِمَهُ﴾؛ أي: لعلم حقيقة ذلك الخبر هؤلاء ﴿الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونه﴾ ويذيعونه بين الناس من أولئك الضعفة أو المنافقين الذين يبغون ويطلبون علم ذلك الخبر ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من الرسول - ﷺ - ومن أولي الأمر؛ أي: ولو أن هؤلاء الضعفاء أو المنافقين المذيعين، ردوا أمر الأمن أو الخوف وخبره إلى الرسول - ﷺ - وإلى أولي الأمر منهم، بأن سكتوا عن إذاعته، وطلبوا معرفة الحال فيه من جهة الرسول - ﷺ - وأولي الأمر.. لعلمه هؤلاء الضعفة أو المنافقون المذيعون من جهة الرسول ومن جهة أولي الأمر؛ أي: لوجدوا علم حقيقة ذلك الخبر عندهم؛ لأنهم هم الذين يعرفون مثل ذلك الخبر، ويستخرجون خفاياه بدقة نظرهم، إذ لكل طائفة منهم استعداد للإحاطة ببعض المسائل المتعلقة بسياسة الأمة دون بعض، ولا ينبغي أن تذيعه العامة لما في ذلك من الضرر بها من سائر الوجوه والاعتبارات، وقرأ أبو السمال ﴿لعلمه﴾ بسكون اللام، فيخرج على لغة تميم؛ لأن تسكين عين علم قياس مطرد عندهم. ثم امتن الله سبحانه وتعالى على صادقي الإيمان من عباده فقال: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، وإحسانه ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيها المؤمنون بالإِسلام والتوفيق والهداية، ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ لكم ببعثة محمَّد - ﷺ -، وإنزال القرآن.. ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ وكفرتم بالله تعالى ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ منكم، فإن (١) ذلك القليل بتقدير عدم بعثة محمد - ﷺ -، وعدم إنزال القرآن، ما كان يتبع الشيطان، وما كان يكفر بالله، وهم مثل قس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل وأضرابهم.
وخلاصة المعنى: أي (٢) ولولا فضل الله تعالى عليكم ورحمته بكم، إذ هداكم لطاعته وطاعة رسوله - ﷺ - ظاهرًا وباطنًا، ورد الأمور العامة إلى الرسول - ﷺ -، وإلى أولي الأمر منكم.. لاتبعتم وسوسة الشيطان فيما يأمركم به

(١) المراح.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon