تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا}؛ أي: تمنى هؤلاء المنافقون كفركم بمحمد - ﷺ - وبالقرآن كفرًا مثل كفرهم بهما، ﴿فَتَكُونُونَ﴾ أنتم وهم ﴿سَوَاءً﴾؛ أي: مستوين في الكفر؛ أي: إن هؤلاء لا يقنعون بما هم عليه من الضلال والغواية، بل يطمعون أن تكونوا أمثالهم، وتحذوا حذوهم، حتى يقضى على الإِسلام الذي أنتم عليه، وهذا منتهى ما يكون من الغلو والتمادي في الكفر، حيث لا يكتفون بضلالهم بل يرجون إضلال غيرهم.
ثم حذر المؤمنين من غوائل نفاقهم فقال: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهذا جواب شرط محذوف، تقديره: إذا كان حال هؤلاء المنافقين ما ذُكر من ودادة كفركم، وطمعهم فيه.. فلا تجعلوا لكم منهم أولياء وأنصارًا يساعدونكم على المشركين، حتى يؤمنوا ويهاجروا من أوطانهم ويقاتلوا مع رسول الله - ﷺ - في سبيل الله تعالى، والمراد بالهجرة هنا الخروج مع رسول الله - ﷺ - للقتال في سبيل الله تعالى، مخلصين صابرين محتسبين، وإنما قيد الهجرة بكونها في سبيل الله تعالى، لإخراج الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام ومن شعار الكفر إلى شعار الإِسلام لغرض من أغراض الدنيا كامرأة ينكحها أو دنيا يصيبها، فإن المعتبر وقوع تلك الهجرة لأجل أمر الله تعالى.
واعلم أن الهجرة ثلاثة أقسام (١):
هجرة المومنين في أول الاسلام: وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ونحوهما من الآيات.
وهجرة المنافقين: وهي خروج الشخص مع رسول الله - ﷺ - صابرًا محتسبًا لأغراض الدنيا، وهي المرادة هنا.
وهجرة عن جميع المعاصي: وهي المرادة بقوله - ﷺ -: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".