لهم أن يتزوجوا كل امرأة، وهل كان ما أمرنا الله به أو نهانا عنه تشديدًا علينا أو تخفيفًا عنا؟
واللام (١) في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ﴾ زائدة مؤكدة لإرادة التبيين، كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب، والمعنى: يريد الله سبحانه وتعالى بما شرعه لكم من الأحكام أن يبين لكم، ويوضح ما فيه مصالحكم ومنافعكم، وقيل يبين لكم ما يقربكم منه وقيل يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم.
﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾؛ أي: ويريد الله سبحانه وتعالى أن يرشدكم طرائق من تقدمكم، ومناهجهم من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم وتقتفوا آثارهم، وتسيروا سيرتهم، فكل ما بيَّن الله تحريمه وتحليله لنا من النساء.. كان الحكم كذلك في جميع الشرائع والملل، فالشرائع والتكاليف وإن اختلفت باختلاف أحوال الاجتماع والأزمان كما قال: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.. فهي متفقة في مراعاة المصالح العامة للبشر.
فروح الديانات جميعًا وأساسها توحيد الله تعالى، وعبادته والخضوع له، على صور مختلفة، ومآل ذلك تزكية النفس بالأعمال التي تقوم بها، وتهذيب الأخلاق لتَبْتَعِدَ عن سيء الأفعال والأقوال، ﴿و﴾ يريد الله سبحانه وتعالى أن ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: أن يرجعكم عن المعصية التي كنتم عليها إلى طاعته، ويوفقكم للتوبة عنها، قيل: إن الأحكام قبل البعثة لم تثبت فأين المعصية؟
أجيب: بأن المراد المعصية ولو صورةً، والمعنى: ويريد الله تعالى أن يجعلكم بالعمل بتلك الأحكام تائبين، راجعين عما كان قبلها من تلك الأنكحة الضارة التي كان فيها انحراف عن سنن الفطرة؛ إذ كنتم تنكحون ما نكح آباؤكم، وتقطعون أرحامكم، ولا تلتفتون إلى المعاني السامية التي في الزوجية، من تقوية روابط النسب، وتجديد قرابة الصهر، والسعادة التي تثلج قلوب الزوجين، والمودة والرحمة اللتين تعمر بهما نفوسهما. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ﴾

(١) النسفي.


الصفحة التالية
Icon