ملك الموت وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم، كما يخاطب الواحد بلفظ الجمع. وقرأ إبراهيم (١): ﴿توفاهم﴾ بضم التاء، مضارع وفيت، والمعنى: أن الله تعالى يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها؛ أي: يمكنهم من استيفائها فيستوفونها، وقرىء توفتهم بتاء التأنيث على أنه فعل ماض، حالة كونهم ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ بترك الهجرة، واختيارهم مجاورة الكفرة في دار الذل والظلم، الموجبة للإخلال في أمور الدين، حيث لا حرية لهم في أمورهم الدينية، ولا يتمكنون من إقامة دينهم ونصره وتأييده، وقد ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الملائكة لهم حين القبض موبخين ﴿فِيمَ كُنْتُمْ﴾؛ أي: في أي شيء كنتم من أمر دينكم؛ أي: أكنتم من أصحاب محمد - ﷺ - أم كنتم مشركين، أو أكنتم في حرب محمد - ﷺ - أو في حرب أعدائه؛ أي: إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، والحال أن الملائكة تقول للمتوفين بعد قبض أرواحهم توبيخًا لهم: في أي شيء كنتم من أمر دينكم؛ أي: إنهم لم يكونوا في شيء منه، إذ هم قدروا على الهجرة ولم يهاجروا، ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المتوفون للملائكة معتذرين اعتذارًا غير صحيح: ﴿كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ﴾؛ أي: كنا مقهورين في أرض مكة، في أيدي الكفار، فعجزنا عن القيام بواجبات الدين بين أهل مكة، وهذه حجة لم تتقبلها الملائكة، ومن ثم ردوا عليهم المعذرة فـ ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الملائكة لهم توبيخًا مع ضرب وجوههم وأدبارهم: ﴿لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ وترحلوا إلى قطر آخر من الأرض تقدرون فيه على إقامة الدين، وتحرروا أنفسكم من رق الذل الذي لا يليق بالمؤمن، ولا هو من خصاله؛ أي: إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد، التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، فبقيتم بين الكفار مع القدرة على الهجرة، فلكم مالهم، وقال ابن عباس: أي: ألم تكن المدينة آمنة فتهاجروا إليها، ﴿فَأُولَئِكَ﴾ المتوفون الذين تقول الملائكة لهم ما ذكر ﴿مَأوَاهُمْ﴾ ومنزلهم في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ كما أن مأواهم في الدنيا دار الكفر، لتركهم الفريضة؛ أي: إن أولئك الذين فصلت حالهم الفظيعة نسكنهم في الآخرة جهنم؛

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon