الذي هو عبادة الله وحده، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)﴾ إما حال من المتبع، والمعنى: حالة كون ذلك المتبع مائلًا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، الذي هو ملة إبراهيم.
قال ابن عباس (١): ومن دين إبراهيم عليه السلام الصلاة إلى الكعبة، والطواف، ومناسك الحج، والختان ونحو ذلك. فإن قلت: ظاهر هذه الآية يقتضي أن شرع محمَّد - ﷺ - هو نفس شرع إبراهيم عليه السلام، وعلى هذا لم يكن لمحمد - ﷺ - شرع يستقل به، وليس الأمر كذلك فما الجواب؟.
قلت: إن شرع إبراهيم وملته داخلان في شرع محمد - ﷺ - وملته، مع زيادات كثيرة حسنة خص الله بها محمدًا - ﷺ -، فمن اتبع ملة محمَّد - ﷺ -.. فقد اتبع ملة إبراهيم؛ لأنها داخلة في ملة محمَّد - ﷺ -، وشرع إبراهيم داخل في شرع محمَّد - ﷺ -، وإنما قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ لأن إبراهيم عليه السلام كان يدعو إلى توحيد الله وعبادته، ولهذا خصه بالذكر؛ لأنه كان مقبولًا عند جميع الأمم، فإنَّ العرب كانوا يفتخرون بالانتساب إليه، وكذا اليهود والنصارى، وإذا ثبت هذا، وأن شرعه كان مقبولًا عند الأمم، وأن شرع محمَّد - ﷺ - وملته هو شرع إبراهيم وملته.. لزم الخلق عمومًا الدخول في دين محمد - ﷺ -، وقبول شرعه وملته.
﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾؛ أي: صفيًّا بالرسالة والنبوة، محبًّا له خالص الحب؛ أي: اصطفاه الله سبحانه وتعالى من أهل أرضه بالنبوة والرسالة، لإقامة دينه، وتوحيده في بلاد غلبت عليها الوثنية، وأفسد الشرك عقول أهلها، وقد بلغ من الزلفى عند ربه ما صح به أن يسمى خليلًا وصفيًّا، فقد اختصه بكرامة ومنزلة تشبه الخليل لدى خليله، ومن كانت له هذه المنزلة كان جديرًا أن تُتبع ملته وتؤتسى طريقته.