وفي "تنوير المقباس": ﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: يوم الحج ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾؛ أي: المذبوحات من الحلال ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ﴾؛ أي: ذبائح الذين ﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾؛ أي: أعطوا الكتاب التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى ﴿حِلٌّ لَكُمْ﴾؛ أي: حلال لكم ما كان حلالًا بالملة، فيحل لنا أكل ذبائح من تمسكوا بالتوراة والإنجيل إذ حلت المناكحة بيننا وبينهم، فحل الذبيحة تابع لحل المناكحة دون ذبائح أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من عبدة الأصنام والأوثان. والمراد بالطعام هنا الذبائح؛ لأن غيرها حلال بأصله، كالحبوب والثمار والفاكهة والخبز وما لا يحتاج إلى ذكاة، فإنه لا اختلاف في حلها باختلاف حال مالكها ومباشرها، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى كما مر آنفًا.
وفي هذه الآية: دليل (١) على أن جميع طعام أهل الكتاب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين، وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله، وتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله: ﴿وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾. وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وإن ذكر اليهودي في ذبيحته اسم عزير، وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح، وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول، وقال علي وعائشة وابن عمر: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل، وهو قول طاووس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾. وقال مالك: إنه يكره ولا يحرم، فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله، وأمَّا مع عدم العلم فقد حكى الطبري، وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية، ولما ورد في السنة من أكله - ﷺ - من الشاة المصلية التي أهدتها إليه اليهودية، وهو في "الصحيح"، وكذلك جراب الشحم الذي أخذه بعض الصحابة من خيبر، وعلم بذلك النبي - ﷺ - وهو في "الصحيح" أيضًا، وغير ذلك، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وأمَّا المجوس: فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم،