الخالصة، ومتى كانت النية الخالصة معتبرة كان أصل النية في جميع الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى معتبرًا.
واستدل أبو حنيفة على عدم وجوب النية في الوضوء بهذه الآية، قال: إن النية ليست شرطًا لصحة الوضوء؛ لأنَّ الله تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية، ولم يوجب النية فيها، فإيجاب النية زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس غير جائز. وأجيب عنه بأنا إنَّما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
والفرض الثاني من فروض الوضوء المذكورة في القرآن: غسل اليدين، وذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿و﴾ اغسلوا ﴿أيديكم إلى المرافق﴾ والأيدي جمع يد، وحدها في الوضوء: من رؤوس الأصابع إلى المرفق. والمرفق بكسر أوله هو من الإنسان أعلى الذراع وأسفل العضد؛ أي: مجتمع الذراع والعضد. وذهب جمهور العلماء إلى وجوب إدخال المرفقين في الغسل، وحجتهم أن كلمة ﴿إلى﴾ هنا بمعنى (مع) نظير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾؛ أي: مع أموالكم.
ويعضده من السنة ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - ﷺ - يتوضأ.
ونقل عن مالك والشعبي وزفر وأبي بكر بن داود الظاهري: أنَّه لا يجب إدخال المرفقين في الغسل، واختاره ابن جرير الطبري. ونقل عن مالك وقد سئل عن قول الله عز وجل: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ فقال: الذي أمر به أن يبلغ المرفقين في الغسل لا يجاوزهما. وحجة أصحاب هذا القول أن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية، وما يجعل غاية للحكم يكون خارجًا عنه كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾؛ ولأن الحد لا يدخل في المحدود، فوجب أن


الصفحة التالية
Icon