ويقوم المسح على الخفين عند لبسهما مقام غسل الرجلين، وقد روى ذلك خلائق لا يحصون من الصحابة، قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - ﷺ - أن رسول الله - ﷺ - كان يمسح على الخفين، وقال الحافظ ابن حجر: قد صرّح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وأقوى الأحاديث حجة فيه حديث جرير، فقد روى أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيت رسول الله - ﷺ - بال ثم توضأ ومسح على خفيه.
والخلاصة: أن غسل الرجلين المكشوفتين ومسح المستورتين هو الثابت بالسنة، المتواترة المبينة للقرآن، والموافق لحكمة هذه الطهارة.
وقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه (١): ﴿وأرجلِكم﴾ بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه والكسائي ويعقوب: ﴿وأرجلَكم﴾ بالنصب. أما على قراءة الجر فهو إما معطوف على الرؤوس، فكما يجب المسح في الرؤوس كذلك من الأرجل، وإنَّما عطفت الأرجل على الممسوح للتنبيه على الإسراف في استعمال الماء فيها؛ لأنها موضع صب الماء كثيرًا، والمراد غسلها، أو مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ فعل محذوف، تقديره: وافعلوا بأرجلكم غسلًا، وحذف حرف الجر وإبقاء الجر جائز، ولا يجوز هذا الكسر على الجوار على أنَّه منصوب في المعنى، عطفًا على المغسول؛ لأنَّ الجر بالجوار لا يرتكب إلا عند أمن اللبس، وهنا لا يؤمن اللبس، وأيضًا شرطه أن يكون بدون عاطف، والعاطف هنا موجود. وأمَّا على قراءة النصب فهو إمَّا معطوف على الرؤوس؛ لأنه منصوب المحل، والعطف على المحل جائز كالعطف على اللفظ كما هو مشهور عند النحاة، وإمّا معطوف على وجوهكم، فظهر لنا أن العامل في قوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ أحد شيئين، إمَّا قوله: ﴿وَامْسَحُوا﴾. وإمَّا قوله: ﴿فَاغْسِلُوا﴾ ولكن الأولى إعمال الأقرب منهما، حتى إن

(١) المراح.


الصفحة التالية
Icon