فنزلت: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله - ﷺ - بني أنمار.. نزل ذات الرقيع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد أدلى رجليه فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمدًا، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له أعطني سيفك، فإذا أعطانيه.. قتلته، فأتاه فقال له: يا محمَّد أعطني سفيك، فأعطاه إياه فرعدت يده، فقال رسول الله - ﷺ -: "حال الله بينك وبيني ما تريد" فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ...﴾ الآية، روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رافع وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف، فقالوا: يا محمَّد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا؟ قال: "بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها، وكتمتم ما أمرتم أن تبينوه للناس" قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا فأعنا على الهدى والحق، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٦٤ - ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾؛ أي: مقبوضة عن العطاء، بخيلة عن أن تنفق. واليد (١) عند العرب تطلق على الجارحة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا﴾ وعلى النعمة، ومنه قولهم كم يد لي عند فلان، وعلى القدرة، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ وعلى التأييد ومنه قوله - ﷺ -: "يد الله مع القاضي حين يقضي"، وتطلق على معانٍ أخر. وهذه الآية على طريق التمثيل كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ والعرب تطلق غل اليد على البخل، وبسطها على الجود مجازًا ولا يريدون الجارحة كما يصفون البخيل بأنه جعد الأنامل ومقبوض الكف ومنه قول الشاعر:

كَانَتْ خُرَاسَانُ أرْضًا إِذْ يَزِيْدُ بِهَا وَكُلُّ بَابٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَفْتُوْحُ
(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon