المناسبة
قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين وفضحهم في الآيات السابقة.. ذكر هنا أنه لا يحب إظهار الفضائح والقبائح إلا في حقِّ منْ زاد ضرره وعظم خطره، فلا عجيب أن يكشف الله عن المنافقين الستر. ثم تحدث عن اليهود، وعدد بعض جرائمهم الشنيعة، كطلبهم رؤية الله جهرةً، وعبادتهم للعجل، وادعائهم صلب المسيح، واتهامهم مريم البتول بالفاحشة، إلى غير ما هناك من قبائح وجرائم شنيعة.
وعبارة المراغي هنا قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين كثيرًا من عيوب المنافقين ومفاسدهم لإقامة الحجة عليهم وحذر المؤمنين من مثل أعمالهم وأخلاقهم - كما قال: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ بين هنا حكم الجهر بالسوء من القول، وإبداء الخير وإخفائه؛ حتى لا يستدل المؤمنون بذكر عيوب المنافقين والكافرين في القرآن على استحباب الجهر بالسوء من القول أو مشروعيته إذا كان حقًّا على الإطلاق، فيفشوا ذلك، وفي هذا من الضرر ما سنذكره. وفي "الجمل": مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن ما تقدم فيه ذكر قبائح المنافقين وإيذائهم للمؤمنين، فالمؤمنون مظلومون، فيجوز لهم ذكر سوئهم جهرًا، وأيضًا تناسب قوله شاكرًا، أي: سواء كان سرًّا أو جهرًا، وهذا ضده. انتهى.
وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآية لما قبلها هي: أنه تعالى لما ذكر من أحوال المنافقين وذمهم وإظهار فضائحهم ما ذكر وبين ظلمهم واهتضامهم جانب المؤمنين.. سوغ هنا للمؤمنين أن يذكروهم بما فيهم من الأوصاف الذميمة، وقال عليه السلام: "اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس" انتهى.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon