وغيرُهما قراءة كسر إن، وقالوا: إنما صد المشركون الرسول والمؤمنين عام الحديبية، والآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، والحديبية سنة ست، فالصد قبل نزول الآية. والكسر يقتضي أن يكون بعد؛ ولأن مكة كانت عام الفتح في أيدي المسلمين، فكيف يصدون عنها وهي في أيديهم؛ وهذا الإنكار منهم لهذه القراءة صعب جدًّا؛ فإنها قراءة متواترة؛ إذ هي في السبعة، والمعنى معها صحيح، والتقدير: إن وقع صد في المستقبل مثل ذلك الصد الذي كان زمن الحديبية، وهذا النهي تشريع في المستقبل، وليس نزول هذه الآية عام الفتح مجمعًا عليه، بل ذكر اليزيدي: أنها نزلت قبل أن يصدوهم، فعلى هذا القول يكون الشرط واضحًا. وقرأ باقي السبعة: بفتح الهمزة، جعلوه تعليلًا للشنآن، وهي قراءة واضحة؛ أي: شنئان قوم من أجل أن صدوكم عام الحديبية عن المسجد الحرام. والاعتداء: الانتقام منهم، بإلحاق المكروه بهم.
﴿وَتَعَاوَنُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿عَلَى الْبِرِّ﴾؛ أي: على فعل المأمورات ﴿و﴾ على ﴿التقوى﴾؛ أي: وعلى اجتناب المنهيات. وقيل: تعاونوا على البر والتقوى؛ أي: على العفو والإغضاء (١)، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى؛ أي: ليعن بعضكم بعضًا على ما يكسب البر والتقوى ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ﴾؛ أي: على ترك المأمورات ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾؛ أي: على فعل المحظورات؛ أي: ولا يعن بعضكم بعضًا على الإثم والعدوان، وقيل: ولا تعاونوا على الانتقام والتشفي، والبر (٢): فعل المأمور، والتقوى: ترك المحظور، والإثم: ترك المأمور، والعدوان: فعل المحظور. وقال المراغي: البر: التوسع في فعل الخير، والتقوى: اتقاء ما يضر صاحبه في دينه أو دنياه، والإثم: كل ذنب ومعصية، والعدوان: تجاوز حدود الشرع والعرف في المعاملة، والخروج عن العدل فيها، وفي الحديث: "البر: حسن الخلق، والإثم: ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس". رواه مسلم وأصحاب السنن.
وروى أحمد والدارمي عن وابصة بن معبد الجهني: أنه قال: أتيت
(٢) النحويان هما أبو عمرو والكسائي.