باب النجاشي قالوا: يستأذن أولياء الله، فقال: ائذنوا لهم فمرحبًا بأولياء الله، فلما دخلوا عليه.. سلَّموا، فقال الرهط من المشركين: أيها الملك، ألا ترى أنا قد صدَقناك، إنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها، فقال لهم الملك: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ فقالوا له: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة، فقال لهم النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ فقال جعفر بن أبي طالب: يقول: هو عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروح منه، ألقاها إلى مريم العذراء، ويقول في مريم: إنها العذراء البتول، قال: فأخذ النجاشي عودًا من الأرض وقال: واللهِ ما زاد صاحبكم على ما قال عيسى قدر هذا العود، فكره المشركون قوله، وتغيرت وجوههم، فقال: هل تعرفون شيئًا مما أنزل على صاحبكم؟ قالوا: نعم، قال: اقرؤوا، فقرأ جعفر سورة مريم، وهنالك قسيسون ورهبان وسائر النصارى، فعرفوا ما قرأ، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فأنزل الله فيهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ...﴾ إلى آخر الآيتين، فقال النجاشي لجعفر وأصحابه: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - يعني: إنكم آمنون - فرجع عمرو وأصحابه خائبين، وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار وخير جوار إلى أن هاجر رسول الله - ﷺ - إلى المدينة، وعلا أمره، وقهر أعداءه، وذلك في سنة ست من الهجرة.
وكتب رسول الله - ﷺ - إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضميري أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قد هاجرت مع زوجها ومات عنها، فأرسل النجاشي جارية - يقال لها: أبرهة - إلى أم حبيبة يخبرها أن رسول الله قد خطبها، فسُرَّت بذلك، وأعطت الجارية أوضاحًا (١) كانت لها، وأذنت لخالد بن سعيد في نكاحها، فأنكحها رسولَ الله - ﷺ - على صداق مبلغه أربع مئة دينار، وكان الخاطب لرسول الله - ﷺ - النجاشي، فأرسل إليها بجميع الصداق على يد جاريته أبرهة، فلما جاءَتها بالدنانير.. وهبتها منه خمسين دينارًا، فلم تأخذها، وقالت: إن الملك أمرني أن لا آخذ منك شيئًا، وقالت: أنا صاحبة دهن الملك وثيابه، وقد صدقت بمحمد - ﷺ -، وآمنت به، وحاجتي إليك أن تقرئيه منى