محذوفًا، وكلمة ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد الشرك بعد وضوح آيات قدرته تعالى.
والمعنى: ثم بعد تلك الدلائل الباهرة والبراهين القاطعة على وجود الله ووحدانيته يشرك الكافرون بربهم، فيساوون به أصنامًا نحتوها بأيديهم، وأوهامًا ولدوها بخيالهم، ففي ذلك تعجيب من فعلهم وتوبيخ لهم. قال (١) ابن عطية: والآية دالة على قبح فعل الكافرين؛ لأن المعنى أن خلقه السموات والأرض والظلمات والنور وغيرها قد تقرر، وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم؟ فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك، ثم تشتمني؟ أي: بعد وضوح هذا كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو.. لم يلزم التوبيخ كلزومه بـ ﴿ثُمَّ﴾ انتهى.
وعبارة "الفتوحات" هنا: و ﴿ثُمَّ﴾ في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ليست للترتيب الزماني، وإنما هي للتراخي بين الرتبتين، والمراد: استبعاد أن يعدلوا به غيره مع ما أوضح من الدلالات.
وقال الزمخشري: فإن قلتَ: فما معنى: ﴿ثُمَّ﴾ هنا؟
قلت: استبعاد أن يعدلوا به مع وضوح آيات قدرته، وكذلك: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ استبعاد أن يمتروا بعد ما ثبت أنه يحييهم ويميتهم ويبعثهم اهـ "سمين" انتهت.
٢ - وبعد أن وصف الخالق سبحانه وتعالى نفسه بما دل على توحيده واستحقاقه.. انتقل إلى خطاب المشركين الذين عدلوا به غيره في العبادة، مذكرًا لهم بدلائل التوحيد والبعث فقال و ﴿هُوَ﴾؛ أي: المعبود الذي يستحق منكم العبادة أيها المشركون، الإله ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾؛ أي: خلق آباكم آدم من طين؛ أي: من تراب مخلوط بالماء؛ أي: من جميع أنواعه الأحمر والأبيض والأسود فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، وعجن طينته بالماء العذب والملح والمر، فلذلك اختلفت أخلاقهم؛ أي: أخذ قبضة من جميع أنواع التراب وعجنها