وهو المسمى بالسر، أو من أعمال الجوارح، وهو المسمى بالجهر، فالأفعال لا تخرج عن هذين النوعين يعني: السر والجهر، فقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ يقتضي عطف الشيء على نفسه، وذلك غير جائز، فما معنى ذلك؟ وأجيب عنه: بأنه يجب حمل قوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ على ما يستحقه الإنسان على فعله وكسبه من الثواب والعقاب.
والحاصل فيه: أنه محمول على المكتسب كما فسرناه آنفًا، كذلك فهو نظير قولهم: هذا المال كسب فلان؛ أي: مكتسبه، ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه، ذكره الإِمام فخر الدين الرازي.
٤ - قوله: ﴿وَمَا تَأتِيهِمْ﴾ يعني: أهل مكة، كلام مستأنف وارد لبيان كفرهم بآيات الله تعالى، وإعراضهم عنها بالكلية بعد ما بين في الآية الأولى إشراكهم بالله تعالى وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد، وفي الآية الثانية امتراءهم في البعث، وإعراضهم عن بعض آياته، و ﴿ما﴾: نافية، وصيغة المضارع لحكاية الماضية، أو للدلالة على الاستمرار التجددي. و ﴿من﴾ في قوله: ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ زائدة في الفاعل؛ لاستغراق الجنس، ومعنى زيادتها: أن ما بعدها معمول لما قبلها فاعل لقوله: ﴿تَأتِيهِمْ﴾، وفي قوله: ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ تبعيضية صفة لـ ﴿آيَةٍ﴾؛ أي: وما يظهر لأهل مكة دليل من الأدلة التي يجب النظر فيها، والاستدلال والاعتبار بها من الآيات التكوينية كالسموات والأرض والظلمات والنور، أو ما يظهر لهم معجزة من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله - ﷺ - كانشقاق القمر، أو ما تنزل عليهم آية من آيات القرآن ﴿إِلَّا كَانُوا﴾؛ أي: كان أهل مكة ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن النظر فيها أو عن تصديقها أو عن سماعها وقبولها ﴿مُعْرِضِينَ﴾؛ أي: تاركين للنظر فيها ومكذبين بها، لا يلتفتون إليها ولا يرفعون بها رأسًا لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب. قيل: الآية هنا: العلامة على وحدانية الله وانفراده بالألوهية. وقيل: الرسالة. وقيل: المعجز الخارق. وقيل: القرآن، ومعنى: ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن قبولها أو سماعها والإعراض ضد الإقبال كما أشرنا إلى هذه الأقوال في الحل.


الصفحة التالية
Icon