بطشهم وعتوهم، وفي المشاهدة أكبر دليل على صحة ذلك.
ولما كان الرسول - ﷺ - يَعْجب مِن كُفْر قومه به، وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وإظهار إعجازه، وكان يضيق صدره لذلك، ويبلغ منه الحزن والأسف كل مبلغ كما قال في سورة هود ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾.. بيَّن الله سبحانه وتعالى أسباب ذلك ومناشئه من طباع البشر وأخلاقهم؛ ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة.. فإنها لا تجدي إلا عند من كان مستعدًا لها، وزالت عنه موانع الكبر والعناد،
فقال:
٧ - ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿كِتَابًا﴾ من السماء دفعة واحدة مجموعًا ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾؛ أي: في أوراق مجمعة ﴿فَـ﴾ ـرأوه نازلًا فيها بأعينهم و ﴿لَمَسُوهُ﴾؛ أي: لمسوا ذلك الكتاب والقرطاس عند وصوله إلى الأرض ﴿بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منهم ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: ما هذا الذي رأيناه ولمسناه إلا سحر بيّن في نفسه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتابًا ولمسناه بأيدينا، وما ثَمَّ كتاب نزل، ولا قرطاس رُئي، ولا لُمس، وتلك مقالة أمثالهم في آيات الأنبياء من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. والمعنى (١): لم يعملوا بما شاهدوا ولمسوا، وإذا كان هذا حالهم في المرئي المحسوس، فكيف فيما هو مجرد وحي إلى رسول الله - ﷺ - بواسطة ملك لا يرونه ولا يحسونه، وإنما قال: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾؛ لأن اللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها من الخداع؛ لأن البصر يخدع بالتخيل، وقال في سورة الحجر: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ - حبست ومنعت - أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)﴾.
والحاصل: أن (٢) علة تكذيبهم بالحق هي إعراضهم عن الآيات، وإقفال باب النظر والاستدلال - لإخفاء الآيات في أنفسها وقوة الشبهات التي تحوم حولها.
٨ - ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال كفار مكة ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾؛ أي: هلا أنزل على

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon