أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤)}.
وقد ردَّ الله الاقتراحين من وجهين:
١ - ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: ولو أنزلنا ملكًا كما اقترحوا.. لقضي الأمر بإهلاكهم، ثم لا يؤخرون ولا يمهلون ليؤمنوا، بل يأخذهم العذاب عاجلًا كما مضت به سنة الله فيمن قبلهم، قال ابن عباس: ولو أتاهم ملك في صورته.. لأهلكناهم، ثم لا يؤخرون.
٢ - ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾؛ أي: ولو جعل الرسول ملكًا.. لجعل متمثلًا في صورة بشر ليمكنهم رؤيته وسماع كلامه الذي يبلغه عن ربه، ولو جعله ملكًا في صورة بشر.. لاعتقدوا أنه بشر؛ لأنهم لا يدركون منه إلا صورته وصفاته البشرية التي تمثل بها، وحينئذ يقعون في نفس اللبس والاشتباه الذي يلبسون على أنفسهم باستنكار جعل الرسول بشرًا، ولا ينفكون يقترحون جعله ملكًا وهم قد كانوا في غنى عن ذلك، وهذا شأن كثير من الناس يوقعون أنفسهم في المشكلات بسوء صنيعهم، ثم يحارون في المخلص منها.
وذكر البخاري (١) في تفسير قضاء الأمر عدة وجوه:
١ - أن سنة الله قد جرت بأن أقوام الرسل إذا اقترحوا آية، ثم لم يؤمنوا بها يعذبهم الله عذاب الاستئصال، والله لا يريد أن يستأصل هذه الأمة التي بعث فيها خاتم رسله نبي الرحمة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾.
٢ - أنهم لو شاهدوا الملك بصورته الأصلية.. لزهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
٣ - أن رؤية الملك بصورته آية ملجئة، يزول بها الاختيار الذي هو قاعدة التكليف.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon