الضعيف، ولا وازع ولا زاجر، فصار التهديد بهذا اليوم من أسباب الرحمة.
وقوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في محل النصب على الذم، أو في محل الرفع على الابتداء، والخبر قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ والفاء (١) فيه للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم، فإن إبطال العقل وإتباع الحواس والوهم، والانهماك في التقليد، وإغفال النظر.. أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان.
فإن قيل (٢): ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر بالعكس.
أجيب: بأن سبق القضاء بالخسران والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان بحيث لا سبيل لهم أصلًا. اهـ "كرخي"؛ أي: فمعنى ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: قضى عليهم بالخسران، فصح السبب في قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
ومعنى خسران الأنفس: إفساد فطرتها، وعدم اهتدائها بما منحها الله تعالى من أسباب الهدايات، فالمقلدون خسروا أنفسهم باتخاذهم الأصنام، وعرضوها لسخط الله تعالى وأليم عذابه؛ لأنهم حرموها استعمال نعمتي العقل والعلم، فكانوا كمن خسر شيئًا من متاع الدنيا، وأصل الخسار: الغبن، يقال: خسر الرجل إذا غبن في بيعه.
والمعنى على النصب؛ أي: أخص هؤلاء الذين خسروا أنفسهم بالتذكير والذم والتوبيخ من بين من يجمعون إلى يوم القيامة؛ إذ هم لخسرانهم أنفسهم في الدنيا لا يؤمنون بالآخرة، فهم قلما ينظرون ويستدلون، وإن هم فعلوا ذلك.. قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لوم اللائمين واحتقار الأهل والمعاشرين.
والمعنى على الرفع: الذين سبق عليهم خسران أنفسهم في علم الله تعالى، فهم لا يؤمنون في الدنيا لسبق الخسران عليهم في علمه.

(١) البيضاوي.
(٢) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon