والخلاصة: قل لهم يا محمد: إنْ فُرض وقوع العصيان مني.. فإنني أخاف أن يصيبني عذاب ذلك اليوم العظيم - وهو يوم القيامة - الذي يتجلى فيه الرب على عباده ويحاسبهم الحساب العسير على أعمالهم ويجازيهم بما يستحقون. وفي الآية إشارة إلى أن هذا يوم لا محاباة فيه لأحد مهما كان عظيمًا، وأنه لا تنفع فيه شفاعة الشافعين، بل الأمر يومئذ لله، فلا سلطان لغيره يتكل عليه من يعصيه ظنًّا منه أنه يخفف عنه العذاب أو ينجيه، وإذا كان خوف النبي - ﷺ - من العذاب على المعصية منتفيًا لوجود العصمة.. فخوف الإجلال والتعظيم ثابت له في جميع الأحوال.
١٦ - ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ العذاب ويدفع ﴿عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم العذاب العظيم، وهو يوم القيامة؛ أي: من يصرف الله سبحانه وتعالى عنه العذاب يومئذ ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾؛ أي: قد أنجاه الله مما يخاف، وأكرمه بما يحب، وأدخله الجنة دار كرامته. والإشارة في قوله: ﴿ذلك﴾ إلى الصرف، أو إلى الرحمة؛ أي: ذلك الصرف أو الرحمة ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: الفلاح العظيم والنجاة الظاهرة، يعني: أن صرف العذاب وحصول الرحمة هو النجاة والفلاح المبين، وإنما ذكر الرحمة بعد صرف العذاب، لئلا يتوهم أن الحاصل له صرف العذاب فقط، بل حصلت له الرحمة مع صرف العذاب عنه.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم (١): ﴿من يصرف﴾ مبنيًّا للفاعل فـ ﴿من﴾ مفعول مقدم، والضمير في ﴿يصرف﴾ عائد على الله، ويؤيده قراءة أُبي: ﴿من يصرف الله﴾. وقرأ باقي السبعة: ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ مبنيًّا للمفعول، ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز. والمعنى: أنه من يدفع الله عنه العذاب في ذلك اليوم.. فقد رحمه؛ إذ أنجاه من الهول الأكبر، ومن نجا منه.. فقد دخل الجنة، والنجاة من العذاب والتمتع بالنعيم في دار البقاء هو الفوز المبين الظاهر الذي لا فوز أعظم منه.
واعلم: أن الفوز إنما ينال بحصول مطلوبين:

(١) البحر المحيط والبيضاوي.


الصفحة التالية
Icon