وأصدقهم وأعظمهم شهادة هو: الله سبحانه وتعالى، فقال ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد إن لم يجيبوا لك ﴿الله﴾ سبحانه وتعالى أكبر شهادة؛ لأنه لا جواب غيره؛ أي: أحب لهم بأن أكبر الأشياء شهادة هو من لا يجوز أن يقع في شهادته كذب ولا زور ولا خطأ، وذلك هو الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى ﴿شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ يشهد لي بالحق، وعليكم بالباطل الذي تقولونه. والمراد (١) بشهادة الله: إظهار المعجزة على يد النبي - ﷺ -، فإن حقيقة الشهادة ما بُيِّن به المدعى، وهو كما يكون بالقول يكون بالفعل، ولا شك أن دلالة الفعل أقوى من دلالة القول لعروض الاحتمالات في الألفاظ دون الأفعال، فإن دلالتها لا يعرض لها الاحتمال، وإن المعجزة نازلة منزلة قوله تعالى صدق عبدي في كل ما يبلغ عني انتهى "كرخي".
والحاصل (٢): أنهم طلبوا شاهدًا مقبول القول يشهد له بالنبوة، فبين الله تعالى بهذه الآية أن أكبر الأشياء شهادة هو الله تعالى، ثم بيَّن أنه يشهد له بالنبوة وهو المراد بقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ فهو بمنزلة التعليل لما قبله؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى يشهد لي بالنبوة؛ لأنه أوحى إليَّ هذا القرآن، وهو معجزة لأنكم أنتم الفصحاء البلغاء وأصحاب اللسان وقد عجزتم عن معارضته، فكان معجزًا، وإذا كان معجزًا.. كان نزوله عليَّ شهادة من الله تعالى بأني رسوله، وهو المراد بقوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ يعني: أوحي إليَّ هذا القرآن لأخوفكم به وأحذركم مخالفة أمر الله عز وجل ولأبشركم، فحذف المعطوف لدلالة المعنى عليه، أو اقتصر على الإنذار؛ لأنه في مقام تخويف لهؤلاء المكذبين بالرسالة المتخذين غير الله إلهًا. وقوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ في محل النصب معطوف على الكاف في ﴿لِأُنْذِرَكُمْ﴾؛ أي: ولأنذر به من بلغه القرآن ممن يأتي بعدي إلى يوم القيامة من العرب والعجم وغيرهم من سائر الأمم من الإنس والجن، فكل من بلغ إليه القرآن وسمعه فالنبي - ﷺ - نذير له. قال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي - ﷺ - وكلمه. وقال أنس بن مالك: لما نزلت هذه الآية.. كتب رسول الله - ﷺ - إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. وعن

(١) الجمل.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon