ونبع الماء من بين أصابعك، وحنين الجذع، وتصيير الطعام القليل كثيرًا ﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾؛ أي: لا يصدقوا بتلك الآيات أنها من الله تعالى، بل يقولون: إنها سحر ولا يفعلون بموجبها من الإيمان بك؛ إذ هم لا يفقهونها ولا يدركون المراد منها؛ لوقوف أسماعهم عند ظواهر الألفاظ، فحظهم كحظ الصم من سماع أصوات البشر، وكلمة: ﴿حَتَّى﴾ في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ﴾ ابتدائية بمعنى الفاء، وإن لم يقع بعدها مبتدأ؛ لأن حتى الابتدائية هي الداخلة على الجمل التي يبتدأ بها، وإن لم يقع بعدها مبتدأ في الظاهر.
وقوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾ حال من الواو في ﴿جَاءُوكَ﴾، وقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جواب إذا، وهو العامل فيها؛ أي: فإذا جاءك يا محمد هؤلاء المشركون من أهل مكة حال كونهم مجادلين ومنازعين ومنكرين لك في دعوتك إلى التوحيد.. قالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: ما هذا الذي يقرؤه محمد ويتلوه إلا أكاذيب الأولين وخرافاتهم، فليست من عند الله تعالى.
والمعنى (١): أنهم بلغوا من الكفر والعناد، أنهم إذا جاؤوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان، بل يقولون: إن هذا إلا أساطير الأولين.
وقال أبو (٢) حيان: وحتى إذا وقعت بعدها إذا يحتمل أن تكون بمعنى الفاء، ويحتمل أن تكون بمعنى: إلى أن، فيكون التقدير: فإذا جاءوك يجادلونك.. يقول الذين كفروا، أو يكون التقدير: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا؛ أي: منعناهم من فهم القرآن وتدبره إلى أن يقولوا: إن هذا إلا أساطير الأولين في وقت مجيئهم مجادليك؛ لأن الغاية لا تؤخذ إلا من جواب الشرط لا من الشرط، وعلى هذين المعنيين يستخرج جميع ما في القرآن من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا﴾ انتهى.
(٢) البحر المحيط.