﴿قَدْ﴾ للتكثير غير ظاهر كما ذكره أبو حيان؛ لأن علمه تعالى لا يمكن فيه التكثير والزيادة. والظاهر أن يقال: إنها هنا للتحقيق والتوكيد، نظير قوله تعالى: ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾، وقوله الشاعر:
وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ | وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِيْنَ وَادِيَا |
قال ابن كثير (١): يقول تعالى مسليًّا لنبيه - ﷺ - في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك وحزنك وأسفك عليهم، كما جاء في قوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، وفي قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾. قرأ (٢) نافع: ﴿ليُحزنك﴾ بضم الياء وكسر الزاي من أحزن الرباعي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزن الثلاثي.
ثم بين أن هذا التكذيب منشؤه العناد والجحود لإخفاء الدليل، فقال: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾؛ أي: فلا تحزن لما يقولون فيك وفي دينك في الظاهر؛ لأنهم لا يكذبونك في السر، فإنهم قد علموا صدقك. ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ القرآنية والإعجازية ﴿يَجْحَدُونَ﴾ ـها ويعاندونها، ويدفعونها بصدودهم عنها وتنفير الناس عنها بعد معرفة حقيقتها. وفي قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر.
وقرأ علي ونافع والكسائي (٣): ﴿يكذبونك﴾ بسكون الكاف من أكذب الرباعي؛ أي: لا يجدونك كاذبًا؛ لأنهم يعرفون صدقك وأمانتك. وقرأ باقي السبعة وابن عباس: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ بفتح الكاف وتشديد الذال من كذب المضعف؛
(١) ابن كثير.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.