وروي عن ابن عباس أنه قال: إنها نزلت في الزنادقة الذين يقولون: إن الله تعالى خالق الناس والدواب والأنعام والحيوان، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور، رجح الرازي هذا الرأي قال: إن المراد من الزنادقة: المجوس الذين قالوا: إن كل خير في العالم، فهو من يزدان - النور - وكل شر فهو من أهرمن؛ أي: إبليس. وقرأ (١) الجمهور: بنصب ﴿الْجِنَّ﴾، وأعربه الزمخشري وابن عطية مفعولاً أول لـ ﴿جَعَلُوا﴾، وجعلوا بمعنى: صيروا، و ﴿شُرَكَاءَ﴾: مفعول ثانٍ، و ﴿لِلَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿شُرَكَاءَ﴾.
وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب: ﴿الْجِنَّ﴾ بالرفع على تقدير: هم الجن، جواباً لمن قال: من الذي جعلوه شركاء؟ فقيل لهم: هم الجن، ويكون ذلك على سبيل الاستعظام لما فعلوه، والانتقاص جعلوه شريكًا لله. وقرأ شعيب بن أبي حمزة: ﴿الْجِنَّ﴾ بخفض النون، ورويت هذه عن أبي حيوة وابن قطيب أيضًا، وحمل على الإضافة التي للتبيين، ولا يتضح معنى هذه القراءة إذ التقدير: وجعلوا شركاء الجن لله، وهذا معنى لا يظهر. وقرأ (٢) يحيى بن يعمر ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ بإسكان اللام، وكذا في مصحف عبد الله، والظاهر أنه عطف على الجن؛ أي: وجعلوا الذي ينحتونه أصنافًا شركاء لله، كما قال تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ فالخلق هنا واقع على المعمول المصنوع بمعنى: المخلوق، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: وقرىء: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾؛ أي: اختلاقهم الإفك يعني: وجعلوا لله خلقهم؛ حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم: والله أمرنا بها. انتهى. والخلق هنا: مصدر بمعنى: الاختلاق. ﴿وَخَرَقُوا لَهُ﴾؛ أي: خرق هؤلاء المشركون واختلقوا وكذبوا، وجعلوا لله سبحانه وتعالى ﴿بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾؛ أي: حالة كونهم ملتبسين بغير علم؛ أي: بجهل وضلالة؛ أي: واختلقوا له تعالى بحمقهم وجهلهم بنين وبنات بغير علم؛ أي: من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب، ولكن رميًا بقول عن جهالة وغباوة من غير فكر وروية، ومن غير معرفة لمكانه من الشناعة والازدراء
(٢) البحر المحيط.