﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾؛ أي: حالة كون ذلك الجزاء المماثل يحكم به؛ أي: يحكم بمماثلته ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: صاحبا عدالة منكم أيها المؤمنون؛ أي: رجلان صالحان من أهل دينكم، فقيهان فطنان في باب الشبه عدلان، فينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من النعم، فيحكمان به، ووجه الحاجة إلى حكم العدلين: أن المماثلة بين النعم والصيد مما يخفى على أكثر الناس، وما لا مثل له بوجه من الوجوه يحكمان فيه بالقيمة.
قال ميمون بن مهران (١): جاء أعرابي إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال: إني أصبت من الصيد كذا وكذا، فسأل أبو بكر - رضي الله عنه - أُبي بن كعب، فقال الأعرابي: أتيتك أسألك، وأنت تسأل غيرك، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: وما أنكرت من ذلك، قال تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، فشاورت صاحبي فإذا اتفقنا على شيء.. أمرناك به.
وعن قبيصة بن جابر: أنه حين كان محرمًا ضرب ظبيًا فمات، فسأل عمر بن الخطاب - وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف - فقال عمر لعبد الرحمن: ما ترى؟ قال: عليه شاة، قال: وأنا أرى ذلك، قال: فاذهب فأهدِ شاة، قال قبيصة: فخرجت إلى صاحبي، وقلت له: إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره، قال: ففاجأني عمر، وعلاني بالدرة، وقال: أتقتل في الحرم، وتسفِّه الحَكَم؟! قال الله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
وقرأ جعفر بن محمد (٢): ﴿يحكم به ذو عدل﴾ بالإفراد، والمراد به: الجنس كما تكون من محمولة على المعنى فتقديره على هذا: فريق ذو عدل، أو حاكم ذو عدل؛ لأن عدلًا هنا مصدر غير وصف، ذكره أبو البقاء. وقوله: ﴿هَدْيًا﴾ حال من ضمير ﴿بِهِ﴾ و ﴿بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ صفة لـ ﴿هَدْيًا﴾؛ أي: يحكم به؛ أي: بذلك المثل ذوا عدل منكم حالة كون ذلك المثل هديًا بالغ الكعبة؛ أي:
(٢) البحر المحيط والعكبري.