إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى} وليس هذا الدين المشترك الذي أوصى به هؤلاء الرسل الكرام إلا التوحيد ومكارم الأخلاق، والتباعد عن الفواحش والمنكرات.
وقد يكون معنى الآية (١): ﴿ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء الناس: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ووصاكم به، وهو كذا وكذا، ثم قل لهم وأعلمهم أننا آتينا موسى الكتاب إلى آخره ﴿تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾؛ أي: آتيناه الكتاب تماما للنعمة والكرامة على من أحسن في اتباعه واهتدى به كما جاء في قوله: ﴿وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا﴾ وقوله: ﴿وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا﴾ أو المعنى: آتيناه الكتاب تماما كاملا جامعا لما يحتاج إليه من الشرائع كقوله: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾؛ أي: مفصلا لكل شيء من أحكام الشريعة عباداتها ومعاملاتها، مدنية أو حربية أو جنائية، وهذا كقوله في صفة القرآن: ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
﴿وَهُدىً وَرَحْمَةً﴾؛ أي: ودليلا من دلائل الهداية إلى الحق، وسببا من أسباب الرحمة لمن اهتدى به، فينجيه الله من الضلال وعمى الحيرة ﴿لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: آتيناه الكتاب جامعا لكل ما ذكر؛ ليجعل قومه محل رجاء للإيمان بالله تعالى، وموضع الفوز في دار الكرامة تلك الدار التي أعدها الله لمن اهتدى بوحيه.
١٥٥ - وبعد أن وصف التوراة بتلك الصفات وصف القرآن الكريم، فقال: ﴿وَهذا﴾ القرآن الذي تليت عليكم أوامره ونواهيه ﴿كِتابٌ﴾ عظيم شأنه ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ على محمد ﷺ بواسطة الروح الأمين، كما أنزلنا الكتاب على موسى ﴿مُبارَكٌ﴾؛ أي: كثير الخير دينا ودنيا جامع لأسباب الهداية الدائمة، وجاء بأكثر مما في كتاب موسى من تفصيل لهدى البشر في معاشهم ومعادهم ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾؛ أي: فاتبعوا يا أهل مكة ما هداكم إليه ﴿وَاتَّقُوا﴾ ما نهاكم عنه وحذركموه {لَعَلَّكُمْ