﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ..﴾ أردف ذلك بذكر نعمه على عباده بتمكينهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش فيها مع بيان أن كثرة النعم توجب عليهم الطاعة له.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) عباده في الآية السابقة بنعمه عليهم بالتمكين لهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش لهم فيها.. قفى على ذلك ببيان أنه خلق النوع الإنساني مستعدا للكمال، وأنه قد تعرض له وسوسة من الشيطان تحول بينه وبين هذا الكمال الذي يبتغيه.
قال أبو حيان: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما قدم (٢) ما يدل على تقسيم المكلفين إلى طائع وعاص، فالطائع ممتثل ما أمر الله به مجتنب ما نهى عنه، والعاصي بضده.. أخذ ينبه على أن هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر الله للملائكة بالسجود، فامتثل من امتثل، وامتنع من امتنع، وأنه تعالى أمر آدم ونهى، فحكى عنه ما يأتي خبره، فنبه أولا على موضع الاعتبار، وإبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود والتصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكنة من بدائع الصانع.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿المص﴾ (١) هذه حروف تكتب بصورة كلمة ذوات الأربعة الأحرف، لكنّا نقرؤها بأسماء هذه الأحرف، فنقول: ألف لام ميم صاد، وحكمة افتتاح هذه السورة وأمثالها بأسماء الحروف التي ليس لها معنى مفهوم غير مسماها الذي تدل عليه.. تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء، فكأنه أداة استفتاح بمنزلة (ألا) و (ها) التنبيه.
وبالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب هي التي نزلت

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon