٢ - ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾؛ أي: هذا القرآن كتاب أنزل إليك من عند ربك يا محمد، ووصفه بالإنزال من عنده تعالى دال على عظم قدره وقدر من أنزل إليه؛ أي: هذا القدر الذي (١) كان قد نزل منه وقت نزول هذه الآية كتاب أنزل؛ أي: أنزل الله تعالى إليك يا محمد ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ﴾ وقلبك ﴿حَرَجٌ﴾ وضيق ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من تبليغه خوفا من تكذيب قومك؛ أي: لا يضيق (٢) صدرك من الإنذار به وإبلاغه من أمرت بإبلاغه إليهم، واصبر لأمري فيما حملتك من عبء النبوة كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.
وقد كلف ﷺ هداية الثقلين، وكان من المتوقع أن يلقى أشد الإيذاء والمقاومة والطعن والإعراض، وتلك أمور توجب ضيق الصدر كما قال في سورة الحجر: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧)﴾ وقال في سورة النحل: ﴿وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)﴾ وقال في سورة هود: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)﴾.
ويراد بالنهي عن مثل هذا الأمر الطبيعي الاجتهاد في مقاومته، والتسلي عنه بوعد الله، والتأسي بمن سبقه من الرسل أولي العزم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾؛ أي: أنزل إليك ذلك الكتاب لتنذر وتخوف به الكافرين من عذاب الله تعالى ﴿وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ولتذكر وتعظ به المؤمنين به. وقال «الخازن»: وهذا من المؤخر الذي معناه التقدير، تقديره: كتاب أنزلناه إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه، والمراد بالمؤمنين هنا من كتب الله لهم الإيمان، سواء أكانوا مؤمنين حين نزول هذه السورة أم لا.

(١) عمدة التفاسير.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon